إضلالِ اللهِ الضالينَ بالختمِ والطبعِ والتغشية، وتقليبِ القلوبِ والأبصارِ
والتفرقةِ بينَ المرءِ وقَلبِه.
ونحنُ نكشفُ ذلكَ كشفا يُزيلُ ما حاوَلوهُ من الإلباسِ والتمويهِ ويجلِّي
غماءَ الشبهةِ بإذن اللهِ عن ذي الجهلِ والنقصِ منهم.
فأولُ ما يجبُ أن نثبته في هذا الفصلِ الفرقُ بينَ الإضلالِ والضلال.
فنقول: إنَّ الضلالَ هو الذهابُ عن الحقِّ، وضدّه الهُدى وتصورُ الأمورِ
على غير ما هيَ به، وهو من فعلِ النفس، والخبرُ عن ذلك باللسان عبارةٌ
عن الضلال الذي في القلب، ومن فعلِ النفسِ وهو أيضاً في نفسِه ضلال.
لأنّه خبرٌ باطلٌ وقولٌ كذبٌ وضدّ الحقِّ والصدق، والذي هو الخبرُ عن
الشيء على ما هو به، وهو محرَّمٌ على المخبرِ به إذا شرحَ بالكفر صدراً ولم
يكن معتقداً به، كما أنّ اعتقادَ الباطلِ معصيةٌ محرَّمةٌ على معتقدها، فقد
استوى العقدُ والقولُ الذين ليسا بحق وهما ضدُّ الهدى، والصوابُ في أنّهما
ضلالات وذهابات عن الحق أحدهُما عقد والآخرُ قول وخبر، والضلالُ
الذي هذه صفَتُه لا يكون إلا لضال به، ومِن ضال يوصَفُ به، ويتعلَّقُ بقدرته إذا كان منتهيا عنه ومأموراً بتركه، هذا أصلُ الضلال، ومنه سُمِّيَ الضلالُ عن الطريق المحجّة إذا عدلَ عنها للجهل بها ضالاّ عن الطريق، ومنه
الضلالُ عن الرأي الذي هو الذهابُ عن صوابِه، ومنه الضلالُ عن الحق
الذي هو العدول، ومنه سُمّيت الضالّة ضالّة.
وقد قيل: إن الضلالَ عن الحق الذي هو بمعنى العذاب، واستشهد
قائلُ ذلك بقوله: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) .
يعني: في عذابٍ وسُعُر وليس هذا باستشهاد صحيح، لأنه يحتملُ أن يكون عن أنّ المجرمين في الدنيا في ضلال عن الحقِّ وفي سُعُرِ في الآخرة، أو في ضلالٍ في الدنيا