فأمَّا قولهم إنه حصر مشيَ جميعِ الدوابِ على أربعِ وفيها ما يمشي على
أكثرَ من ذلك، فإنه باطل لأنّه لم يحصُرْ ذلكَ ولا قال لا شيءَ من الدواب.
وإن كل الدوابِّ تمشي على أربع، وإنَّما قال فمنه من يمشي كذا، ومنه من يمشي كذا، ومنهم من يمشي كذا، ولا شك أن منهم من يمشي على ما ذكر
فهذا لا ينقُضُ أن يكون منهم من يمشي على أكثر من ذلك ولا كونُ من
يمشي على أكثرَ من أربعِ قوائمَ ناِقضا بمشي ما يمشي على أربعٍ وأقل منها.
وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ما قالوه.
على أنه قد قال كثير من الملحدين إنَّ كل حيوانٍ إذا سعى ومشى فإنه لا
يمشي إلا على أربع من قوائمه، ويكونُ معتمداً عليها في أربع جهاتٍ لا على
أكثرَ منها، فإن كان ذلك كما قالوه، فما يمشي حيوان وإن زادت قوائمهُ
على أربعٍ على أكثرَ من أربعٍ منها، وبطلَ ما قالوه.
وأمَّا قولُهم فلا معنى لذكرِ ذلكَ إذا عُلِمَ قبلَ خبَره، فإنه باطل لأن معنى
ذلك إخبارُهم بقدرته على إقدارهم على المشي مع اختلاف آلةِ المشي، وأنه
لو شاءَ أن يجعلها كلها تمشي على بطونها أو على قوائمَ تعتمدُ عليها لفعلَ
ذلك، فكأنّه يقول: انظروا أفليس في الحيوان ما يمشي كذلك لجنسِه أبر
إيجاب خِلقَته أو لصورته، وإنما ذلك بتقدير العزيز العليم الذي يعطي القدرةَ
على المشي على وجهٍ واحدٍ تُقطَعُ به المسافةُ مع اختلاف الآلة، وإذا كان
ذلك كذلك بطل ما توهموه.
قالوا: ومن هذا أيضا قوله عز وجل: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩) .