فإن قال قائل من المحلدةِ والقادحينَ في أخبارِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم من ضعفاء الأمةِ ومبتدعيها والطاعنين على سلَفَها، فما معنى ما روُي من قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - "لَو نزل عذابٌ من السماء ما نجا منا إلا عُمر ابنُ الخطاب"؟
قيل له: أراد بذلك أنه لم يكن ينجو إلا هو، ومن كان على مثل رأيه
وصدَق نبيه في مناصحة الرسولِ ونصرةِ الدين، والاحتياطِ على المسلمين.
وإنما خصه بالذكرِ لما كان أظهر نَفسَه وإشهارَه بالسيف، وسؤالَه للرسولِ
بأن يُسلِّم إلى كل رجل أقربَ الناسِ إليه ليضربَ عنقَه، وقولُه افعل يا وسولَ
الله واقطع شأفةَ الكفر، فهؤلاءِ الذين أخرجونا من مكةَ وفعلوا وفعلوا، فلما
كان أكثرَهم حرصا على ذلك، وإظهارِ القول فيه نُسب أهلُ رأيه من الأمةِ
إليه، فقالَ عند ذلك: لو نزلَ عذاب من السماءِ ما نجا منه أي من الأمةِ إلا
من كان على مثلِ رأي عمرَ في منصاحتِه الدينَ ممن أشارَ بالقتلِ واستئصالِه
شأفةِ الكفر، وممن أشارَ بالمنِّ وأخذِ الفداءِ إذا كانَ ذلكَ هو الأصلحَ الأنظر
للأمة، وليسوا مطالبينَ بها عند اللهِ في هذا الباب، وإنما يُطالبُ كل واحدٍ
منهم بأن يُشيرَ ويقولَ بما هو عنده الأحظّ للدين، سواء كان هو الأحظُّ عند
الله أم لا، وحرامٌ على مَن الرأيُ عنده أخذُ الفداءِ والمن أن يشيرَ بالقتل.
وحرام على من رأى الأحوطَ للدين والمؤمنينَ بالقتلِ أن يُشيرَ بأخذِ الفداءِ
والمن، لأن فرضَ كل واحدٍ من المشيرينَ وأهلِ الرأي، خلافُ فرضِ غيرِه
إذا اختلفت عندهم الآراءُ ووجوهُ الصواب، وإن كانوا إذا اتفقوا على الرأيِ
صار فرضُهم واحداً كمشاهِدي القبلةِ والذينَ يغلُب على ظنهم كونُها في جهةٍ واحدةٍ في تساوي فرضِهم ووجوبِ اختلافِ فرائضِ من اختُلف في
اجتهاداتِهم وآرائِهم في جهةِ القبلة.