فإذا كان ذلك كذلك بأنَ الرسولَ عليه السلام لم يُردْ بهذا القول إن ثبتَ
جميعَ الأمة، وهو منهم كانوا مستوجبين للعذابِ لو نزلَ إلا عمرَ بن الخطاب، فهذا بعيد من الصواب، ولكنه أرادَ عليه السلام أنه هو ومن كان على مثلِ رأيهِ هم الناجون.
فإن قيلَ: وما معنى نزولِ العذابِ على قومِ قد أشارَ كل واحدِ منهم بما
عنده وما هو فرضُه، والأولى في الدين أن يشيرَ به، فكلهم إذا كانوا كذلك
بمثابة عمر بنِ الخطاب، في رأيهِ ومشورته وأدائِه بما أشارَ به لفرضه.
يقالُ لهم: لم يعنِ الرسول عليه السلام أحدا بذلك ممن ذكرتم، وكانت
حالُه في الاحتياط للدين والمسلمين كحالِ عمرَ بنِ الخطاب، لأنهم كلهم
على ما ذكرتم بمنزلةٍ واحدةِ في درجةِ من الحقِ والصوابِ متساوية، ولكنه
عَلِمَ عليه السلام أن فيهم قوما منافقينَ قصْدُهم بما يذكرونَه من الرأيِ إضعافَ الدينِ وتوهينَ المسلمين، ومنهم أيضا طبقة من المسلمينَ هم إلى جمعِ
الأموالِ وتعجلِ عَرضِ الدنيا أميلُ منهم إلى ثوابِ الآخرةِ لعاجلِ النفعِ
ومُركبِ الميلِ والطبع، فهُم بذلكَ عصاة غيرُ كفار، وإن كانوا ليسوا من أهلِ القوةِ والبصائرِ في الدين، وتحصيلِ وافرِ الحظ من ثوابِ الله عز وجل، فإذا كان ذلك عنده عليه السلام متقرراَ ساغَ أن يقولَ مثل هذا القول في عمرَ وموافقتهِ وطبقتهِ تحذيرا من قلةِ المناصحةِ في الدينِ والمثابرةِ عن نيلِ قطعةِ
من الدنيا وفانٍ حقير، وهذا بيّن واضح في إبطالِ ما تعلقوا به، وبالله التأييد.
قالوا: ومما وردَ من الإحالةِ في القرآنِ قولُه عز وجل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩) .