فمن الإحالةِ في الآيةِ أمرُه لهم بإعطاءِ الجزيةِ وأمرنا بأخذها منهم.
وإن كانوا يمتنعون بإعطائها من الإيمان به ويقيمونَ بها على الكفر، فلا
يخلوا إعطاؤهم الجزيةَ من أن يكونَ طاعةً للهِ أو معصيةً له، فإن كان معصيةً
له لأنه طريقُ الامتناعِ من الايمانِ والاعتصامِ به مع المُقامِ على الكفر، فكيفَ
يأمرهُم بما هو معصية له.
والمعصيةُ هي ما نهى عنه فهذا يوجبُ أن يكونَ أداءُ الجزيةِ طاعةً منهم
من حيثُ أمروا به، ومعصيةً من حيث امتنعَوا به من الإيمان، والإقرارِ
بالرسولِ عليه السلام وهذا هو الاحالة، وإن كان أداءُ الجزيةِ طاعةً منهم
وليسَ بمعصيةٍ فكيفَ يكونُ طاعةً لهم وهو ممتنعْ به من الإيمانِ به، هذا
أيضا إحالة من القول.
قالوا: وكذلكَ إن كنا نحنُ والرسولُ مطيعينَ في أخذِ الجزيةِ منهم.
وجبَ أن نكونَ مطيعين بأخذِ ما يمتنعُونَ به من الإيمانِ بالله، وذلك محال
لأن الواجبَ علينا تركُ كلما يؤَدي فعلهُ إلى الصد عن الإيمانِ به.
قالوا: ومن الإحالةِ في الآية ِ أيضا قولُه تعالى في أهلِ الكتاب أنهم:
(لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، وليست هذه صفةُ أهلِ الكتاب، لأنهم
يؤمنونَ باللهِ وبالثوابِ والعقابِ واليومِ الآخرِ، فهذا - زعموا - تقويل عليهم ووصف لهم بغيرِ صِفَتهم.
فيقالُ لهم: لا تعلُّق لكم في شيءٍ مما وصفتُم وذكرتُم، فأمَّا قولكُم
إنهم مأمورون بدفعِ الجزيةِ إلينا فإنه باطل، لأنهم مأمورون بفعلِ الإيمانِ باللهِ
ورسوله وبتركِ ما يمتنعونَ به من ذلك، فإن كانوا يمتنعون بأداء الجزية من
الإيمان فهم مأمورون بترك الأداء، ولكن ليس أداءُ الجزية مما يمتنعون به