للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الإيمان بالله وتصديقِ رسوله، فإنما يمتنعون به، عن قتلِنا لهم وقتالنا إياهم، فإنما يأخذها منهم بدلا من قتلهم وقتالهم لا من الإيمان بالله وبرسوله، ولو

آمنوا بهما لزالَ فرض قتالهم، وإذا زالَ فرضُها لم يجزْ إثباتُ بدل منه يقومُ

مقامَه، فبانَ بذلك أن الجزيةَ ليست ببدلٍ من إيمانهم.

وأما قولكم: إنهم مأمورون بأدائها مع المقام على الكفرِ بالله وبرسوله.

قإنه أيضا كلام باطل محال، لأن الكافر لا علمَ له بالله، ولا إيمان فيه به وقد

أقمنا أوضحَ الدليل على ذلك فيِ باب الكلام في الوعيد والأسماء

والأحكام، وإذا ثبتَ ذلك، ثبتَ أن الله سبحانه لا يجوزُ أن يأمُرَ الكافرَ به

بأن يفعلَ طاعة لوجهه، من أداءِ جزيةٍ أو صدقةٍ أو بر أو شيء من القُرب مع

المُقام على الكفر به والجَحد له ولرسله، لأنه لا يجوزُ وقوعُ طاعة من الكافر

يصح أن يرادَ الله بها، وأن لا يرادَ بفعلها من المُقام على الجهل، والكافرُ

كذلك عندنا غيز مأمورٍ مع المُقامِ على جهله بالله وكفرِه بشيءٍ من القُربِ إلى

الله عز وجل، وكيف يُؤمر بالقُرب إلى الله سبحانه وفعلِ طاعتِه لوجهه من

يجحد اللهَ ولا يعرفُه؟ !

واليهودُ وكل كافرٍ بالله وجاحدٍ لنبوةِ بعضِ أنبيائه غيرُ عارفٍ بالله ولا

إيمانَ فيه به على ما بيناه في غير هذا الكتاب، وإذا صحَّ ذلك بطلَ أن يكونَ

الكافرُ مأموراً مع المقام على كفره بشيءٍ من القُربِ إلى الله عزَ وجل، وإنَّما

يؤمرُ الكافرُ بفعلِ الطاعةِ والعباداتِ بشريطةِ، تقديمه فعلَ الإيمان بالله، ثم

التقرب إليه بفعلِ الطاعة له، وقد عُلم أن أهل الكتاب لو آمنوا باللهِ وبرسوله لم يجب قتالهم وقتلهم ولم يلزمهم أداء الجزية إلينا، يكون بدلاً من قتلهم وقتالهم، لأن ذلك محظوراً علينا إذا آمنوا بالله وبرسوله، فسقط بذلك ما ظنوه من أمر الكافرِ بأداء الجزية.

<<  <  ج: ص:  >  >>