للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد قالَ من خالفَ أهلَ الحق من القَدرية: إن أهلَ الكتاب مأمورون َ

بأداء الجزيةِ إذا أقاموا على كفرهم ولم يؤمنوا باللهِ وبرسوله، وأنهم لم

يُؤمروا بأدائها ليمتَنِعوا بها من الإيمان، ولكن يمتنعون به من قتلهم وقتالهم.

قالوا: وهم مطيعون لله بهذا الفعلِ وببرِ الوالدين وكثيرٍ من القرب، غير

أنهم غيرُ مثابينَ على فعلِ هذه الطاعاتِ في الآخرة لامتناعِهم من الإيمان

الذي بفعله يصلون إلى ثواب أعمالهم، وذلك معرضٌ لهم لو أرادوا

الوصولَ إليه بأن يؤمنوا ليصلوا بذلك إلى ثواب طاعاتهم، فقدرَ أصحابُ

هذا الجوابِ على أنَّهم مأمورون بأداءِ الجزيةِ وغيرِ ذلك مما إذا فعلوه كانوا

مطيعين به، غير أنهم ليسوا بمثابين على طاعاتهم، فلا سؤالَ لهم عليه من

حيث طعنوا.

ولكن يجبُ البيانُ للقدرية بأنهم مُخبّطون في قولهم على أصولهم

الفاسدة بأنهم مأمورونَ بما لا ثوابَ لهم عليه، لأن ذلك جور على

أصولهم، لأن الأمرَ بالطاعةِ والعبادةِ أمر بإدخال ضررٍ على النفس وألم وكدٍّ

مع المقام على الجحد، فإن كان لا ثوابَ عليه وفي تركه عقاب، فكان

الكافرُ والفاسقُ المصرُّ عندهم مأمورين بفعلِ الطاعةِ لله مع المقام على الكفرِ

والفسق، ومعروف أنهم غيرُ مثابينَ على الضرر الداخل عليهم بفعل العبادة

إذا فعَلوها، وإن عليهم في تركِ ذلك عقاباً فهذا عندهم نفسُ الظلم

والعدوان، والقولُ بجواز إدخال ألمٍ وضررٍ على المكلف، لا نفعَ له فيه في

عاجلٍ ولا آجل، ولا هو مستحق ولا مقصود به النفع، وهذا عندهم حد

الظلم وحقيقته، فكأنَّ الكافرَ والفاسقَ إنما يجبُ أن يُطيعا الله عز وجل خوفاً

من عقابه فقط، لا لرجاء ثوابه، وليس بعادلٍ ولا حكيمٍ عندهم المطاعُ الذي

هذه صفته، فهذا نقضٌ لأصولهم بيِّن.

<<  <  ج: ص:  >  >>