للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأمَّا نحن فإنّنا مأمورون لا محالةَ بأخذ الجزية من أهل الكتاب بما

أقاموا، على كفرهم ومطيعون بذلك، لأنه مأخوذٌ علينا ذلك فيهم، سواءٌ

امتنعوا من أدائها إلينا من الإيمان، أو من قَتْلِنا لهم والقتال، ولو قال لنا

سبحانه صريحاً خُذوا الجزيةَ ممن يمتنعُ بأخذكم لها من الإيمان بي، لوجبَ

أن نكونَ بأخذها طائعين، وإن كانوا هم بالمقام على أدائها والامتناع من

الإيمان عاصين، كما نكونُ نحن طائعين بطاعة الإمام إذا أمرنا بتنفيذ حُكمٍ

يقولُ لنا قد علمتُ وجوبَه، أو قامت البينة عندي به، وأنتم لا تعرفونَها.

وإن كان هو عاصيا بالأمر بإنفاذ الحُكمِ إذا عَلِم من جَرحِ الشهودِ ما لم

يَعْلمه، وكان غيرَ عالمٍ بما ادَّعى العلم به، وكما يجبُ على المستفتي قبولُ

قولِ المفتي، وإن كان المفتي له عاصياً بفتواه له بغيرِ دينِ الله، وإن لم يفعلْ

ذلك العامي، وإذا كان ذلك كذلك لم يستحيلَ أن يكونَ فعلُ الشيءِ من

غيرِ المكلف معصية، ويكونَ اتّباعُه عليه والانقياد له منا طاعةً وبطلَ بذلك

كل ما قالوه في هذا الفصل.

فأمَّا قوله عزَّ وجلَّ في صفة أهل الكتاب بأنّهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم

الآخر، فإنّه صحيحٌ على أصولِ أهل الحق خاصة، لأنهم كفارٌ بالله، والكافرُ بالله غيرُ مؤمنٍ به من وجه، وقولُ الله بأنّهم غيرُ مؤمنين أصدقُ من إخبارِهم عن أنفسهم بأنهم مؤمنينَ بالله، ولو علمَ أنهم مؤمنون به لما قال إنهم

كافرون به، لأن ذلك تحيُّفٌ لهم، ووصفٌ بغيرِ صفتهم، ولم يقل إنّ

الجاحدَ لنبَّوة الرسلِ يجبُ كونُه كافراً باللهِ وغيرَ مؤمنٍ به، لأجلِ إيجابِ

العقلِ ليضمنَ الجهلَ بالنبوَّةِ لعدم العلم بالله، والإقرار بوجوده وقدمه

وربوبيته، لكن لأجلِ ورودِ السمع بأن جاحدَها كافرٌ بالله، فصارَ جحدُ النبوة أحدَ الأعلام والأدلة على كفرِ الجاحد لها بالله، وبمثابة كونِ دخول الدار

<<  <  ج: ص:  >  >>