قالوا: ومن الإحالة الواردة في القرآن في صفةِ اليهود قوله عزَ وجل:
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) .
قالوا: واليهودُ جميعاً تنكرُ ذلك، وقد عُلمَ أن هذا ليس من دينها.
فيقال لهم: صيغةُ الظاهرِ لا توجبُ استغراقَ جميع اليهود، وقولهم
كلهم بذلك وتناوله لمن مضى منهم ومَن في الحال، ومَن هو آت بل هو
قول محتمل للخصوصِ والعموم، وظاهرُه أيضا مفيد لفعلٍ ماضٍ من قومٍ
قالوا ذلك وسلَفوا مَن اليهود، وليس يُخبرُ عمَن يأتي بعد النبي عليه السلام
من أهلِ عصرنا وغيرِهم من أهلِ الأعصار، وإذا كان ذلك كذلك وكان الله
عز وجل أصدقَ منهم وكان المؤدي لهذا القولِ عنه من قامت الحجةُ القاهرةُ
بثبوتِ نبوته، وجبَ حملُ الآية على أن طائفةً منهم ممن سلف قال ذلك
واعتقده، أو رئيس من رؤسائهم وداعٍ من دعاتهم، وقد ورد في الآثار عن
بعض السلف أن الذي قال ذلك واحد منهم، هو المسمى فنحاص، ويجوز
أن يكون هو الذي ابتدأ القولَ بذلك واتبعه عليه قوم منهم فقال: وقالت
اليهود، وهو يريدُ البعضَ منهم، إما رئيس منهم أو طائفةٌ منهم، وإذا كان
ذلك كذلك بطلَ ما تعلقوا به.
وأما قوله تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) .
فإنما أراد - وهو أعلم - أنهم كانوا يجدون فيه تنافياً وتناقضاً
كثيراً لا معنى له، ولا يسوغُ ويجوزُ استعمالُ مثله في اللغة العربية ولو وُجدَ
نظمهُ مختلفا متنافيا من ضروبٍ من أوزان كلام العرب، لا يخرجُ عما
يعرفونه ولوجَدوا فيه الثقيلَ الجزلَ الرصين، والخفيف المستغث السخيف.
كما يوجدُ ذلك أجمعُ في كلامِ جميع العرب من أهلِ النظم والنثر.