ولم يجدوهُ على حدٍ واحدٍ ونمطٍ غيرِ مختلفِ ولا متزايدٍ في جزالة اللقظ.
وحُسن النظمِ والفصاحة، والبراعة الخارقة للعادة.
ولم يعنِ بقوله: (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) اختلافَ قراءته واختلافاً
في تأويله وأحكامه الغامضة، فكيف يريدُ ذلك وهو تعالى قد أنزل القرآنَ
على سبعةِ أحرفٍ كلها شافٍ كاف، وقد تظاهرت الأخبارُ بذلك عن الرسول عليه السلام وأنّه أقرأهم قراءاتٍ مختلفة وصوَّبهم، فلم يقلْ له قائل منهم هذا اختلاف في التنزيل.
ولو كان الأمرُ على ما ادّعوه لم يذهب ذلك على الصحابة، ولم يجز
في مستقر العادة إضرابهم عن ذكر هذه الموافقة، وكذلك لا يجوزُ أن يكون
على اختلافه في الأحكام والتأويل، لأنّ ذلك لا يجعلُ القرآن نفسه مختلفاَ.
والله قال: (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) ، والاختلافُ في تأويله غيرُ الاختلافِ
في تنزيله ولا خلافَ بين أهل اللغة أن التناقضَ والكذبَ يُسمى مختلفاً
وخُلفاً من القول، ولذلك يقولون فيمن اعتقدوا فيه الكذب حديثُه مختلف.
وقد اختلفت روايتُه وقوله في هذا، وهذا خلفٌ من الكلام، والله تعالى إنما
نفى عن كلامه هذا الاختلافَ لأن ذلك يوجبُ أن يكون نفسُ كلامه
مختلفا، وليس الاختلافُ في تأويل كلامه اختلافاَ فيه، لأن اللهَ تعالى قد
نصبَ الأدلةَ القاطعةَ على مراده بالمحتمل، إما ببيانه في آيةٍ أخرى أو سنة
ثابتة أو إجماعِ من الأمة، أو دليل عقلِ وخبر جلَّ ثناؤه فيما احتملَ أموراَ
كثيرةَ من الأحكام الشرعية نحو قوله: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) ، وقوله: (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) ، وقوله: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) ، وأمثال ذلك.