للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقينا فإن كنتَ في شك مما قد أخبرتُك به وريبٍ مما قلتُه فسل فلانا، وسل

غيري، وإنما يوردُ ذلك على وجهِ التأكيد والتثبيت للعارفِ بما يقوله، لا على أنه في الحقيقة شاكٌّ مرتابٌ في خبره، وكذلك قد يهدد المرءُ من يعلمُ أنه لا يخالفه ولا يعصيه ويقول له: إن عصيتني عاقبتك، إذا علم أنّ ذلك لطف له في التمسك بطاعته والانزجار عن معصيته وإذا عَلِم أن سامعي توعُّده يصلحون ويرهبون سماع ذلك الوعيد، وإذا كان ذلك كذلك زالَ تعلُّقهم بالآية.

وأمَّا قوله تعالى: (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) ، و (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) ، وقوله: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ) ، فلا منافاةَ بينَه وبينَ قوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) ، لأمور:

أحدها: أنه يمكنُ أن يكونَ المرادُ بقوله تبياناً لكل شيء، وهذا بيان

للناسِ على قول من وقف على قوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) .

وجعل قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، واوَ استئناف، أنه سبحانه ما

فرط فيه من شيءٍ فرضَ على المكلفين عِلْمَهُ والعمل به والمصير إلى موجبه.

وجعلهم في حرجٍ ومأثمٍ في الجهل به، أو رعاهم وندَبهم على سبيل القصد

إلى معرفته، وكذلك قوله: (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) و (بَيَانٌ لِلنَّاسِ) ، إنما أراد به

أنه لما ألزموه وكلفوه وأخذوا بمعرفته، ولم يرد تعالى أنه بيان لما لا نهايةَ له

من معلوماته على وجه التفصيل، ولا أنه بيان لجميع ما تُعبّد به من شرائع

من سلف من النبيين ومشتمل على شرح جميع سنن المتقدمين وأقاصيص

الأولين.

ولذلك قال: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) ، ولا أرادَ أنه بيان لتأويلِ ما لا يعلم تاويلَه إلا الله

<<  <  ج: ص:  >  >>