واو نسق توجبُ للراسخين فعلين، ولو كان التأويلُ على ما ذكرتم لكان من حقه أن يقول: وما يعلمُ تاويلَه إلا اللهُ والراسخونَ في العلم، ويقولون آمنا به حتى يوجبَ لهم الواو الأول نسَقَهم على الله سبحانه والواو الثاني قولَهم:
آمنا به كل من عند ربنا، وإذا لم يفعل ذلك بطل ما قلتموه.
يقال لهم: لا يجب ما طالبتم به لأن أهلَ اللغة قالوا: إنَ يقولون ها هنا
في معنى الحال واسم الحال، وبمثابة قوله لو قال والراسخون في العلم
قائلون آمنا به لأنهم يُحلون الفعلَ المضارعَ محل الاسم من وجوه:
أحدها: إنك تقولُ مررتُ برجلٍ يأكل، ويقومُ ويقول، فيحله محل
قولك مررتُ برجلٍ قائم، وقائل هذا - زعموا - أحدُ وجوه المضارعة بينَ
الاسم والفعل، ويوضّحُ ذلك ويُبينه أنهم يقولون: لا يأتيكَ إلا عبدُ الله زيد
يقول: أنا مسرور بزيارتك، يعنون لا يأتيك إلا عبدُ الله زيد قائلاً أنا مسرور
بزيارتك، فجعلوا يقول بمنزلة قولهم: قائل مسرور.
قال الحميدي يرثي رجلاً في قصيدةٍ أولها:
أصرمْتَ حَبْلكَ من أُمامة بعد أيام برامه ... الريحُ تبكي شَجْوه والبرقُ يلمعُ في غمامه
يعني بذلك البرقُ لامعاً في غمامةٍ تبكي شَجْوه أيضاً، لأنه لو لم يُرد أنّ
البرق يبكي شَجْوه، كما أن الريح تبكي شَجْوَه لكان هاذيا، ولكان قوله:
والبرقُ يلمعُ في غمامة كلاما متقطعاً أجنبيا مما قاله، ولم يكن لذكر لمعان
البرقِ معنى، لأنه لا تعلُّق بين لمعان البرق وبكاء الريح شَجْواً من بكائِه
وكأنه رجل، قال: والريحُ تبكي شَجْوه وزيد راكب أتانته، وأيُّ تعلُّق بينَ
بكاء الريح وركوب زيد، فدل ذلك على أنه أرادَ بقوله: والبرقُ يلمعُ في