للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والذي نختاره في ذلك أن المتشابه هو كلُّ ما أشكلَ والتبسَ المرادُ به

واحتيجَ في معرفة معناهُ إلى طلب التأويل، وسواء كان مشتبهَ اللفظِ وإن

اختلفَ معناه، أو كان لفظا غيرَ مشبهٍ للفظ آخر، غير أنّ المرادَ به لا يعرفُ

ولا يوصَلُ إليه من نفس ظاهره وفحواه ولحنه، ولكن بالتأمل والاستخراج.

وإنما سُمي ما هذه سبيله متشابها لاشتباه معناه واختلاطه والتباسه بغيره عند

من لم يعرفه ولم يوف النظر حقّه.

وأصل المتشابه في الكلام أن يشبه اللفظُ اللفظَ في صيغته وصورته.

وإن اختلفَ معناهما، ومنه قوله: (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) ، أي: أشبه بعضُها بعضا في الكفر والإصرار والعتو، ومنه قولُه تعالى في ثمر الجنة: (وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) ، يعني في الصورة واللون والهيئة، وإن اختلفت الروائحُ والطعوم، ومنه قولهم: أشبهَ زيد عمراً في خلقته وحُسنِ هديه وطرائقه، وقولهم: اشتبهَ عليَّ الأمرُ إذا أُلبس بغيره، ومنه سُمِّيت الشُبهة المصوِّرة للباطل بصورة الحق شبهة، ومنه سُمِّي نصارُ الباطل، وأصحابُ الحيل والنارنجيان أصحاب الشبه، هذا أصلُ التشابه في اللغة، وقد يكون المشتبهُ من كتاب الله مشتبها بأن يتفقَ لفظُه وصورتُه ويختِلف معناه، وقد يكونُ بأن يغمض ويدق ويخفى معناه، فلا بُدَّ من تبيين الإمعان بالنظر، والبحث عنه، وليس فيه إلا ما قد عرف أهل العلم تأويله.

والمرادُ بحجته ودليله وليس في أهل التأويل من قال: إني لا أعرف معنى

هذه الكلمة والآية منه، بل قد فسَّروا سائره وبيَّنوه وكشفوا عنه، وكلُّ ما

يُروى عن أحدٍ منهم من السلف، ومن بعدهم أنه لا يعرف معنى شيء منه.

فإنّه لا معتبر به، لأنه خبرُ واحد ويجبُ صرفُه إلى أنه قد عرفه وفسّره بعد أن

كان لا يعرفه، أو إلى أنّه هو وحدَه لا يعرفُ ذلك دون رسول الله وصحابته،

<<  <  ج: ص:  >  >>