وقال آخرون: إنه لا معنى لهذه الحروف أكثر من ابتداء الكلام بها
وتقديمها أمامه، لأن ذلك من شأن العرب وعادتهم عند التكلم، لأنها تبدأ
بالحرف والحرفين، فيقول القائل منهم: ألا إني ذاهب، إلى قائلٍ لفلانٍ كذا
وكذا.
هذه جملةُ ما يُعلمُ أنه قيلَ في تأويلها، وليس يخرجُ عن أن يكونَ بعض
ما قيلَ في ذلك.
فأمَّا من قال: إنها أسماءُ أعلامِ السور التي هي في أولها، فليس ببعيدٍ
لأن صاد وقاف ونون قد صارت أسماءَ أعلامِ لهذه السُّور كزيد وعمرو، لأنه
قد عُلم من قول القائل: إني قرأتُ صاد أنه قرأ السورة إلى آخرها، التي هذه الحروف في أولها، ويجبُ على هذا أن يقالَ إن الله سبحانَه قد أحدثَ في
الشريعة أسماءً لهذه السُّور لم تكن من قبلُ أسماءً لشيءٍ في اللغة، وليس
هذا من تغييرِ الأسماء اللغوية في شيء، لأن تغييرَ الاسم عن وضعِ اللغة إنما
هو نقله إلى غير ما وُضع له، وهذه الحروف لم تكن في اللغة أسماءً
لأشياء، ثم صارت أسماءً في الشريعة لغيرها، فلم يكن لذلك تغيير اللغة.
وعلى أنّ في الناس من أجازَ تغيير الأسماء اللغوية، ووضعِها في الشريعة
لإفادة ما لم تكن مفيدةً في اللغة، ولا سؤالَ عليهم في ذلك.
فإن قيل: أوَ ليسَ قد وقعَ بعضُ هذه الحروف مشتركا نحو حمَ اللتين
هما في أوائل الحواميم السبعة، فكيف يجوز أن تكونَ أعلاما؟
قيل لهم: إذا اتفق ذلك ضُمَّ إليها شيء تصيرُ مع ذكره مميزة لما بقيَ
له، فيقال: قرأتُ حم السجدة، وحم المؤمن، وحم الأحقاف، وذلك بمثابة الأسماء المشتركة التي تكون أعلاما مميزةً مع ضمِّها إلى نعوت أصحابها
وصفاتهم وغير ذلك.