فأمَّا من قال: معناها أنها أقسام أقسم الله سبحانه بها فإنه أيضاً غير
بعيد، ووجهُ القسم بها أمران:
أحدهما: تعظيمُ هذه الحروف وتفخيم شأنها، وإنّما عظّمها بالقسم
لأنها مبادىء كتُبه المنزلة بالألسنة المختلفة ومبادىء أسمائه الحسنى وصفاته
العُلى، وأصول كلام الأمم التي بها يتفاهمون ويتخاطبون ويوحدون الله
سبحانه، ويسبحونه، وموقعُ الانتفاع بها عظيم خطير، والجهلُ بها ضرر
عظيم، فكأنه أرادَ بهذا التأويلِ بـ حم عسق، أي وحروف المعجم لهوَ الكتابُ لا ريبَ فيه، وحروف المعجم لهوَ كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدركَ حرج منه، والعربُ قد تكني عن جميع الشيء بكلمة منه وتذكرُ بعضه، فيقولُ القائل: قرأتُ البقرةَ والحمد، وأنشدتُ قفا نبك، يريدُ بذلك جميع السور والقصيدة، كما يقولُ القائل: تعلمتُ أب ت ث يريد جميعَ المعجم لا هذه الأربعة أحرف فقط.
قال الشاعر:
لما رأيتُ أمرَها في حُطّي ... وأزْمعَتُ في لُددي ولطُي
أخذتُ منها بفروقِ شمطِ
ولم يُرد حُطي فقط، وإنَما كنَّا بذكر حُطي عن أبي جاب التي منها حُطي.
لأنه قصدَ بذلك التمثيلَ لعودها إلى أول ما تكرهُه، كتبدي الصبي بتعلم أبي
جاد.
فأمَّا قول من قال: إنها مأخوذةٌ من أسماءِ الله وصفاتِه وكنايةً بكل حرفٍ