للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأمَّا قول من قال: إنها حروف وُضعت لحسابِ قدر بقاء الأمة فقد

يجوزُ ذلك إذا أطلعَ اللهُ نبيه عليه، أو بعض ملائكته بأن يُعرفه أن كلّ حرفٍ

منها لقدرٍ من السنين كما قيل: ألف واحد وياء اثنين، وكذلك في سائر

حروفِ الجمل.

فأمَّا قول من قال: إنها ابتُدئَت في أوائل السور ليروعهم سماعُها

وتنصرفَ همَمُهم إلى الإصغاء إليها، فليس ببعيدٍ أيضا، لأنه يمكن أن يقصدَ

ذلك، ولكن لا بدّ لها من معنىً هو القسمُ بها أو بأسماء الله التي هي من

جملَتها أو توقيف على وضعها بحسابِ السنين، وإلا عُريَت من فائدة.

وليس يجوزُ أن يُلهيَهم عن لغوهم وصدفهم عن سماع القرآن بأصواتٍ وأمورٍ

لامعنى لها.

وإذا كان الأمرُ في تأويل هذه الأحرفِ على ما وصفناه زال وبطلَ

تعلُّقهم بها وقولهم إنّه لا يعرفُ معناها ولا وجهَ للخطاب بها وثبتَ بذلك أن

جميعَ ما أنزله اللهُ من مُحكمٍ ومتشابهٍ معلوم معروفُ المعنى.

وقوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) ، إنما أراد به الحشيش لأن (أَبًّا)

اسمُ الحشيش على ما ذكر، وليس من شيءٍ ذكره الله تعالى إلا ومعناه

معروف وإليه سبيل، وإن جهله أهلُ التفسيرِ ومن لا إغراقَ له في البحث

والتأمل.

فإن قالوا: فما الذي أرادَ بإنزال المتشابه، قيل لهم: أرادَ بذلك امتحانَ

عبادِه واختبارَهم وتفضيلَ الذين أوتوا العلمَ درجات، وأن ينفعَ بذلك من

يعلمُ قوةَ يقينه واستبصاره بمعرفة المتشابه وأن يُضِل به ويَضُرَّ من علمَ أنّه

يصدفُ عن تأويله ويُلحدُ فيه ويستبصرُ ويُعمي عند إنزاله بصيرتَه ويصيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>