فأعرضَ في ذكرِ الإخبارِ بأن الباخلين لو رأوه لتعلموا منه المطال إخبارُه
بأنه من جملةِ الباخلين، ولو لم يعرِض ذلك لكان من حقِه أن يقول: لو أن
الباخلينَ رأوكَ لتعلموا منكَ المطالا.
وقال آخر:
ظلموا بيومٍ دع أخاكَ بمثله ... على مُشرعٍ يَروي ولما يُصرِد
ولو لم يعرِض في الكلام طلبَ تركِ أخيه لمثله لقال: ظلَموا بيومٍ دع لى
مُشرعَ تروي ولما يصرد، وهذا أكثر من أن يتتبع.
قال أبو حية البحتري:
ألا حيِّ من أجلِ الحبيب الغوانيا ... لبسن البِلى مما لبسنَ اللياليا
ثم رجع بعد قوله لبسنَ بما لبسن اللياليا، أي تتميمُ ما شرع فيه.
وأكد من هذا أجمع وأبينُ قوله تعالى:(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) .
ثم أضربَ عن ذلك، وخرجَ منه إلى غيره، فقال:(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) ، فعدل عما بدأ بذكره إلى غيره اقتداراً على الكلام والبلاغة وإذا كان هذا أجمع وأمثاله ما قد بيَّنَّاه في الفصاحةِ والبلاغةِ والقدرة على التبسُّط في الكلام.
وكان ما خاطب الله سبحانه به ورسوله عليه السلام مما تعلَّقوا به
أقربَ من كثيرٍ مما ذكرنا وأشبه وأشدَّ تلاوة، إلا أنه خرجَ من قصة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وحكايةِ كلامِ قومه إلى قصة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - هو مُخاطب له، وإلى تفنيد قومه من قريش على تكذيبهم وردّهم، تثبيتا للنبي عليه السلام وحثا له على الصبرِ وقوةِ العزم، وكل هذا مناسب، لأنه قصّ على رسول الله قصةَ رسولٍ قبلَه وخطابُه لأمّته، ثم خرجَ من ذلك إلى أن ذكر قريشا في تكذيبهم لرسوله وتشبيه ذلك بتكذيبِ الأمم قبلَهم وصبرِ أولي العزمِ من الرسل على رَدّهم ومكارِههم،