يُوعظ فهو في ذلك كالكلب الذي يلهثُ عند التعب، والإعياء والعطش.
ويلهثُ في حال الراحة والصحةِ والشبع والريّ، وكل ما سواهُ من الحيوان
إنما يلهثُ عند الإعياء والمرض والعطش، فمثلُ الكافرِ في عدم انتفاعه
بالعظة وتركِها كالكلب الذي يلهثُ كيف تصرَّفت به الحال.
وأما قوله: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) ، فإنّ المقصدَ به تعريفُ الله سبحانه إيّانا حُسنَ
اختياره لهم أصلحَ المواضع، وأنَّه تعالى بوأهم كهفا في مغناةٍ من الجبل
مستقبلاً بناتَ نعش، وأنها إذا طَلعت تزاورُ عنهم يميناً وتستدبُرهم في
كهفهم طالعةً وجاريةٍ وغاربة، ولا تصلُ إليهم وتدخُل كهفَهم فتؤذيهم بحرِّها
وسمومها، وتشحبُ ألوانهم وتُبلي ثيابَهم، وأنّهم مع ذلك كانوا في فَجوة
من الكهف وهو المتَسعُ منه، ينالُهم فيه نسيمُ الريح وبردُها وينفي عنهم غُمةَ
الغارِ وكربه، فهذا هو الفائدةُ في ذكر طلوع الشمس وتزوارها، والفجوة من الغار وما في ذلك من حسنِ الصنيع واللطف والاختيار.
وأما قوله تعالى: (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) ، فإنه أرادَ به تخويفَ
الكافرينَ وعظَتَهم، والتنبيهَ لهم على انقراضهم وتعطيل مساكنهم ولحوقهم
بالأمم قبلهم فيتعظون ويعتبرون بالنظر إلى آثار من كان قبلهم وخلوِّ مساكنهم وانهدام قصورهم فيتعظون عند رؤيتهم لبيوت من سلف قبلهم خاويةً قد سقطت على عروشها، وبئرٍ كانت يشرب أهلها قد غارَ معينها، وعطل غشاؤُها، والعربُ أبداً تبكي الآثار َ وتندبُ الديارَ وتصفُ الذَمَنَ والأطلال
وتقول: يا دارُ أينَ ساكنوك وبانوك وعامروك، قال اللهُ سبحانه: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا) ، وقال: (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا) ، وقال: (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (٩٨) .