(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (٣٢) .
فأخبر أن إنزاله أجزاءً ونُجوما وتكرارَهُ عليه في الأوقاتِ
المتراخيةِ تثبيتا له وللمؤمنينَ لأنهم إذا سمِعوا ما أخبرَ اللهُ سبحانه من إهلاكه
العاصينَ وتنجيَته المؤمنين كانوا أقربَ إلى طاعته وأشد انزجاراً عن معصيته.
ووجهٌ آخرُ في حُسنِ ذلك، وهو أن اللهَ سبحانه أنزلَ المتكررَ في أوقاتٍ
متغايرة، وأسبابٍ مختلفةٍ فَحَسُنَ منه تكرارُ القصةِ للزجرِ والموعظة، كما
يَحْسُنُ ذلكَ من الخطيبِ إذا خَطَبَ وتكلم في المحافلِ ويوم المجتمع.
ودَعى إلى حقنِ الدماءِ ونُصرةِ الجار، أو التطولِ والإفضال، فقد يجوزُ
ويحسنُ أن يكونَ في هذه المواقف إذا تغايرت واختلفت أسبابُه وخطبُه
وقيامُه في الناسِ ببعضِ ما كان ذكَرهُ في غير ذلك الموقف، وإنما يُستثقلُ
ويستغث التكرارُ إذا كانَ في موقفٍ واحد، وسببٍ واحد، واللهُ سبحانه إنما
كرر بعضَ القصَصِ والوعدِ والوعيدِ في أوقاتٍ متغايرةٍ ولأسبابٍ مختلفةٍ
فحسُنَ ذلك منه تعالى وساغَ على عادةِ أهلِ اللسان.
ووجهٌ آخرٌ أيضا يوجبُ حُسْنَ ذلكَ من القديمِ تعالى، وهو أنّ النبي
عليه السلام كان يحتاج إلى إنفاذِ الرسلِ والدعاةِ إلى النواحي والبلدانِ
ليدعوا إلى الحقِ وإلى طاعةِ الله وليقرأوا عليهم القرآنَ فأنزلَ الله سيرةَ نبيٍ
بعد نبيٍ وقصةً بعد قصةٍ، والقصةُ واحدة بألفاظٍ مختلفةٍ لِتقرَأ كل قصةٍ على
أهلِ ناحية، ولُتقرأ القصةُ الواحدةُ بالألفاظِ المختلفةِ على أهل الأطراف
والنواحي المختلفة، وربما علم أن سماعَ أهلِ النواحي المتغايرةِ القصةَ
الواحدةَ يكونُ لُطفاً لهم في الانزجارِ والانقيادِ إلى الإيمانِ فكررها وأنزلها
بألفاظ مختلفة على قدر ما أراده تعالى وعَلمهَ من اللطف، ثم على سماعِه
لتلكَ القصةِ بالألفاظِ المختلفة، وربما كان لطفُ أهل الناحيتينِ والمصيرينِ