في استماعِ قصتينِ من قصصِ الرسلِ والإخبارِ بنوعينِ من العقاب، وإن
كانت سيرة النبِيينِ مع قومهما سواء، وإذا كان ذلك كذلك ساغَ وحَسنُ منه تعالى تكرارُ القصصِ والقصةِ الواحدةِ على سبيلِ ما وصفناه.
ومن الفوائدِ في تكرارِ القصةِ والقصصِ المتماثلةِ بالألفاظِ المختلفةِ على
الوزنِ الواحد، أنه تعالى إنما كرر ذلك لأن لا تقولَ قريشٌ أو بعضُها للنبيِ
- صلى الله عليه وسلم - كيف تتحدانا أن نأتي بمثلِ هذا الكلامِ الذي حُكيت به قصةُ نوح وموسى وإبراهيم، وليسَ له لفظٌ يُحكى به ويورده من البحر والوزنِ الذي أوردته إلا اللفظُ الذي بدأت به وسعيت إليه، فإن أوردناه بعينه، قلت: هذا نفسُ ما تلوتهُ عليكم وتحديتكمُ بمثله، وإن طالبتنا بمحاولةِ لفظٍ غيره، فليسَ للقصةِ والمعنى الذي عبرت عنه بهذا الوزنِ من الكلامِ لفظٌ غيرُ الذي أوردته وسَبقتَ إليه فكأنك إذاً تطالبنا بالمحالِ وهذهِ شبهةٌ كما ترى، فأرادَ الله تعالى حسمَ أطماعِ العربِ في التعلُّقِ بذلك فكرر القصة الواحدة، والقصَصَ المتماثلة والمعنى الواحدَ بألفاظٍ مختلفةٍ من بحرٍ واحدٍ وعلى وزنٍ واحدٍ هو وزنُ القرآنِ الخارجِ عن جميعِ النظومِ والأوزانِ لِيُعْلِمَهُم اقتدارَه وعظمَ البلاغةِ في كلامِه ويعرفَهم عجزَهُم عن ذلك ويقطعَ به شعثَهم وشُبههم، وهذا من جيِّدِ ما يُعتمدُ عليه في فوائدِ التكرارِ.
فإن قالوا: فما الفائدةُ في تكرارِ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) ؟
قيل لهم: قد ذُكرَ في ذلك وجوه.
فمنها أنه أرادَ يا أيها الكافرون لا أعبدُ الآنَ ما تعبدون، ولا أنتم الآنَ
عابدونَ ما أعبدُ ولا أنا عابدٌ ما عبدتُم في المستقبل، ولا أنتم عابدونَ ما
أعبدُ في المستقبلِ وإنما أنزلت السورةُ في قومٍ المعلومُ عند الله من حالِهم