الأول: ليس صحيحاً أن عصر صدر الإسلام خلا تماماً من تدوين السنة، إذ من المعلوم أن أجزاء من السنة تم تدوينها في حياة الرسول نفسه، وبتوجيه مباشر منه.
من ذلك كتبه ورسائله لرؤساء الشعوب وزعماء العشائر والاتفاقات والمعاهدات والتصالحات، التي جرت في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وهي مجموعة الآن في وثيقة قيمة، وبعضها مختوم بخاتمة - صلى الله عليه وسلم -[ينظر: الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة. لمحمد حميد الله - دار النفائس] .
ولا ريب أن كل هذه الوثائق جانب من جوانب السنة فيه من هدى النبوة ما فيه.
كما تقدمت الإشارة إلى كتبه - صلى الله عليه وسلم - إلى عماله، وكان يذكر لهم فيها ما يعينهم على الفصل في الخصومات التي ترفع إليهم في ولاياتهم.
مثل أحكام الصدقات (الزكوات) والديات والميراث وبعض السنن.
وكما تقدمت الإشارة إلى صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، وصحيفة الإمام علي، ومكا كتب عام فتح مكة بأمر من النبي لأبي شاه اليمني، فالقول بأن عصر النبوة خلا تماماً من تدوين السنة قول فيه بعد عن الصواب.
إن الحق الذي لا محيد عنه أن عصر النبوة يوصف بقلة التدوين للحديث النبوي، ولا يوصف بالخلو التام من تدوين الحديث.
وممن عُرفُوا بكتابة الحديث في صدر الإسلام الأول عبد الله بن عباس، وسعيد بن جبير، وابن هشام وغيرهم [ينظر: دفاع عن السنة ص ٢٢] . د/ محمد محمد أبو شهبة - رحمه الله -.
الثاني: أسباب قلة التدوين في العصر النبوي:
قلة التدوين للحديث النبوي في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما تلاه حتى نهاية القرن الأول الهجري، لها أسباب وجيهة تُعزى إليها.
ذلك أن حال القرن الأول كانوا أما من الصحابة، وإما من كبار التابعين (الطبقة الأولى) وكان هذا القرن يتميز بميزتين: