وأرسل رسله إلى خلقه من الجن والإنس فمنهم من يهتدي حتى يبلغ أعلى عليين، ومنهم من يضل حتى يهوي أسفل سافلين، وصلحاء البشر فيهم صلحاء شبيهون بالملائكة في الإيمان والطاعة والاستقامة وفي مقدمة هؤلاء الصلحاء الرسل وتابعوهم.
فليس الوصف بالبشرية نقصا من حيث البشرية نفسها وإنما معايير النقص والكمال رهينة بكسب الإنسان وعمله.
ومن سنن الله النافذة أن جعل البشر يديرون شئون أنفسهم بأنفسهم على هدى من رسالات الله إليهم لا تديرها لهم ملائكة ولا شياطين، وهذا هو مقتضى التكليف أو المسئولية كما يعبر عنه في الفكر الحديث.
إذن فإن رواية الحديث عن طريق البشر بدعاً من السلوك، ولا سبة تقدح في سلامة السنة من التحريف في ألفاظها ومعانيها.
وتوصلا إلى هذه الغاية نشأ فن أو علم الجرح والتعديل، هذا الفن، أو العلم وقفه علماء الحديث على معرفة أحوال الرواة من التابعين وتابعيهم ومن غيرهم، وصنفوا الرواة اصنافاً مختلفة، ووضعوا لقبول الرواية من كل راو شروطاً محكمة.
والتعديل يعني وصف الرواي بالعدالة إذا توفرت فيه شروطها، والتجريح، يعني معرفة الرواة غير العدول الذين لا تقبل رواية الحديث عنهم.
فالحديث الذي يقبل من حيث رواية ينبغي أن يكون الراوي، ضابطاً ثقة، وهو المسلم البالغ العاقل، السالم من أسباب الفسق وخوارم المرءوة، المتيقظ غير المغفل (الغافل) وأن يكون حافظاً إذا حدَّث من حفظه، فاهما إذا حدَّ على المعنى في الرواية الشفهية (ينظر الباعث الحثيث: ص ٩٢ وما بعدها) للإمام ابن كثير.
أما رواية ما خالف حاله هذه الأوصاف فلا تقبل، وكذلك لا تقبل رواية أصحاب الأهواء إذا رووا ما يوافق هواهم ولا مجهول الحال.