ويلاحظ أن هذه الضوابط وضعت لهدف سام وهو دفع احتمال الخطأ أو الكذب في رواية الحديث، حتى تطمئن النفس إلى أن ما روى صح صدوره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولم يكن علماء الحديث يقبلون كل ما يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى تتوفر فيه شروط الرواية الصحيحة وهذا يدفع بكل قوة ما اثاره منكرو السنة من أن رواة السنة بشر يخطئون ويصيبون، هذه العبارة وإن كانت صحيحة من حيث الجملة، فلا مفهوم لها هنا لأن الشروط التي وضعها علماء الحديث - رضي الله عنهم - كانت لتحقق الإصابة في الرواية ودفع الخطأ، وهم أعلم بأسباب الإصابة والخطأ عشرات المرات من هؤلاء الببغاوات، الذين يرددون ما قاله المبشرون والمستشرقون الحاقدون على الإسلام، دون أن تكون لهم ممارسة أو خبرة ذاتية في هذا المقام الجليل.
إنني على يقين من أن الذين يهاجمون السنة الآن في الصحف والمجلات لو عقد لأحدهم اختبار في علوم الحديث مهما طال أو قصر، سهل أو صعب لرسب فيه بالخط الثلث ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
إنهم يتصايحون في الفضاء، ويحاربون في الهواء، أو في غير مواجهة ولو ووجهوا لأنكشفوا وافتضح أمرهم عند الناس، وقديماً قال الشعر:
إذا ما الجبان خلا بأرض ... تمنَّى الطعنَ فيها والنزالا
مقلدون لا مبتكرون:
منكرو السنة في هذه الشبهة: شبهة بشرية الرواة مقلدون - كعادتهم - لا مبتكرون، ما في ذلك ريب أنهم مقلدون لمكذبي الرسل على مدى التاريخ النبوي كله، فالقرآن الأمين يقص علينا مسالك مكذبي الرسل كلما بلغوهم ما أنزله الله عليهم، وإليك البيان.
في سورة إبراهيم عليه السلام ورد هذا الحوار المحكي بين الرسل والذين كذَّبوهم من أقوامهم: