لأن البخاري - رضي الله عنه - ألزم نفسه منهجاً في تدوين الحديث، وهو كتابة اثنين في اليوم الواحد، وكان يتوضأ ويصلي ركعتى الإستخارة قبل أن يضعهما في صحيحه المعروف.
ولذلك استغرق تأليف صحيحه ست عشرة سنة، وقد حرص البخاري على تدوين الصحيح، ولكنه لم يدون كل مت صح عنده، حيث قال:
"ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح مخافة الطول"(تدريب الراوي: ١/٩٨) .
ونحن لا نقول إن الستمائة ألف حديث التي كان يحفظها البخاري كلها صحيحة، ولم يدع هو ذلك. ولكن الذي نرفضه أن ما عدا ما دوَّنه في صحيحه كان ترك تدوينه عدم صحته كما يدعى منكرو تالسنة المغالون في الحمل عليها بغية عزلها عن حياة المسلمين.
وهب أن الصحيح من محفوظ البخاري خمسمائة ألف حديث فكم كان يلزمه من الوقت حتى يفرغ من تدوينها كلها، والمعروف أنه لم يكن يكتب إلا حديثين في اليوم الواحد؟
إنه يحتاج إلى ٧١٤ سنة تقريباً كان ينبغي أن يعيشها البخاري بعد الطفولة، وقبل الشيخوخة، والمعروف أن عمره لم يتجاوز الستين إلا بقليل شاملاً سنى نشأته الأولى.
كما أن للإمام البخاري عذراً، أو أعذاراً أخرى، فهم لم يكن مجرد سارد لما دوَّنه من الأحاديث، بل كان تدوينه موزعاً على أبواب الفقه وفروعها الدقيقة، وكان يقطَّع الحديث الواحد أجزاء، يضع كل جزء في مقامه من علم الفقه.، مع وضع عناوين لمسائل الفقه المسوق من أجلها الحديث.
ومن له دراية بعمل البخاري في صحيحه يراه يبدى آراءه في كثير من المسائل، مع رغبته في عدم الطول في صحيحه كما صرَّح بذلك هو في العبارة التي نقلناها عنه في ما تقدم.
هذا هو الصواب الذي ينبغي أن يقال في تدوين البخاري - رضي الله عنه -.