للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحت "من" و"إلى" في هذا سرٌّ عظيم من أسرار التوحيد؛ فإنّ الفرارَ إليه سبحانَه يتضمنُ إفرادَه بالطلبِ والعبوديةِ، ولوازمها من المحبة والخشية والإنابة والتوكل وسائر منازل العبودية، فهو متضمن لتوحيد الإلهية (١) التي اتفقتْ عليها (٢) دعوةُ الرسل صلوات الله وسلامه عليهم [أجمعين] (٣).

وأما (٤) الفرار منه إليه؛ فهو متضمنٌ لتوحيدِ الربوبية وإثباتِ القَدَر، وأن كلَّ ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفرّ منه العبد، فإنما أوجبتْه مشيئةُ الله وحدَه؛ فإنه ما شاء (٥) اللهُ كان ووجبَ وجودُه بمشيئته، وما لم يَشَأْ لم يكن، وامتنع وجوده لعدم مشيئته، فإذا فرَّ العبدُ إلى الله فإنما يَفِرُّ من شيء [إلى شيء] (٦) وُجِدَ بمشيئة الله وقَدَره؛ فهو في الحقيقة فارٌّ من الله إليه.

ومن تصوَّرَ هذا حقَّ تَصَوُّرِه فَهِمَ معنى قوله ﷺ: "وأعوذُ بك منكَ" (٧) وقوله: "لا مَلْجَأَ ولا منجَى منك إلا إليك" (٨). فإنه ليس


(١) في بعض النسخ: "الألوهية".
(٢) في الأصل وبعض النسخ: "عليه"، والمثبت من ط.
(٣) من ط.
(٤) في الأصل: "فأما".
(٥) ط: "فان ما شاء".
(٦) الزيادة من ط.
(٧) أخرجه مسلم (٤٨٦) من حديث عائشة ضمن دعاء مشهور للنبي ﷺ.
(٨) أخرجه البخاري (٢٤٧ ومواضع أخرى) ومسلم (٢٧١٠) من حديث البراء بن عازب ضمن الدعاء الذي علّمه النبي ﷺ عند النوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>