* ٣: التعسف في استعمال الحق في الرجوع عن الإذن بالعمل:
التعسف في منع المرأة من العمل يتصوّر وقوعُه إذا أذن الزوج ابتداءً بالعمل ثم تراجع عن إذنه.
وأمّا عدمُ الإذن ابتداءً فيه فإن هذا استمساكٌ بالأصل, وعدمُ خروج عمّا ينقل عنه, فلا يُتصوّر فيه التعسف في استعمال الحق, ولذا قَيّدتُ هذا الموضوع بالرجوع عن الإذن فقط.
وصُورة التعسف هنا: أن بعض الرجال قد يتعسّف في الحقِّ الذي أعطاه إياه الشّرع في إباحة الرجوع عن الإذن لزوجته بالعمل خارج المنزل, بأن يكون مقصدُه من التراجع عن الإذن بعملها ليس مَصلحةَ الأسرةِ, أو مصلحة الزوج نفسه بتحصيل التمكين, وإنما أراد معنى آخر غيرَ معتبر شرعًا وليس حقًّا له; مثل قصده الإضرار والنكاية بالمرأة, أو بقصد التضييق عليها, كتفويت مكافأة نهاية الخدمة عليها, أو الراتب التقاعدي, أو لأجل أن يساومها على المعاوضة على الإذن (١) , أو للمساومة على بعض الحقوق الواجبة عليه لتُسقطها, ونحو ذلك من الأغراض الممنوعة.
وهذا التعسف في استعمال الحقّ محرّمٌ شرعًا -ولا شك-; يدلّ عليه قول اللهِ تعالى:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} وقوله تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}، فهذه الآيات تنهى عن مضارةِ المرأة بقصدِ إيذائها أو تحصيل أمرٍ ممنوع شرعًا منها, وهذه المُضارة عامةٌ في نوعها وفي الغاية المقصودة منها, فتدخل فيها صورة التعسف في الرجوع عن الإذن في عمل المرأة خارج منزلها.