للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب- إن أفعال المجتهدين حينما لا يوجد ما يدل على أن ما فعلوه هو رأيهم ومذهبهم، محتملة، فقد يكون فعل المجتهد مما جرت به عادته، أو يكون فعله تقليداً لغيره، بسبب عدم نظره في المسألة، أو لتعارض الأدلة عنده، أو لأي سبب آخر (١). وما يفعله المقلد لا ينسب له ولا يعد مذهباً له، لأن مذهب المجتهد ما توصل إليه عن نظر واستدلال.

تعقيب على الأدلة:

تلك هي أهم الأدلة التي استند إليها الفريقان وهي أدلة فيها مجال للتأمل والمناقشة. أما أدلة الفريق الأول الذاهب إلى أن ما يفعله المجتهد يعد مذهباً له وتصح نسبته إليه، فإن فيها من الوهن ما فيها. فدليلهم الأول- العلماء ورثة الأنبياء.- لا يساعدهم على دعواهم، فالوراثة بالعلم هي درايتهم بأحكام الشرع المأخوذة عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، مع ملكة الاستنباط الصحيح منها، ولم يقم دليل على أنهم يقومون مقام الأنبياء في كونهم مصادر للتشريع، وأنهم معصومون، وأن ما يؤخذ من أقوالهم يؤخذ من أفعالهم. ومن التعسف والمبالغة في منح الدرجات، أن يزعم الشاطبي أن المجتهد شارع من وجه (٢)، أو أن يدعي ابن حامد أن مقامات العلماء بمثابة مقامات صاحب الشريعة (٣). فهذه مرتبة عظيمة لم يدعها أحد من المجتهدين. ودليلهم الثاني لا يسلم على إطلاقه، فما لم تقم قرائن أو دلائل على أن ذلك الفعل مذهبه، فإن نسبة ذلك الفعل إليه تدخل في الإطار الذي نحن بصدده، ولا يوجد تلازم بين وجهات نظر الأفراد وأفعالهم، فقد يفعلون ما لا يؤمنون به، فالجهة بينهما منفكة، فقد يرى بعض الناس حرمة السندات أو الأسهم، ولكنه يقوم بشرائها أو بيعها، وقديماً قال أحد الشعراء:


(١) المصدران السابقان، وتهذيب الأجوبة ص ٤٥.
(٢) الموافقات ٤/ ٢٤٥.
(٣) تهذيب الأجوبة ص ٤٥ - ٤٦.

<<  <   >  >>