ذكرنا أن لعلم تخريج الفروع على الأصول، علاقة بينة بالخلافات المذهبية والجدل والمناظرات، التي كانت قائمة بين علماء المسلمين، وأن هدف علماء هذا الفن كان بيان مآخذ علمائهم، والأصول التي رُدت إليها أقوالهم، والدفاع والمنافحة عن وجهات نرهم في ذلك، ولهذا فإن الحديث عن أسباب الخلاف، يُعد ذا صلة مباشرة به، إن لم يكن من أركانه الأساسية.
ونذكر في بداية حديثنا أن الاختلاف في الأفكار والآراء والطبائع والأخلاق واللغات ظاهرة إنسانية، وقد جعل الله - سبحانه- ذلك جزءاً من طبيعة الإنسان قال:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}(الروم /٢٢٩، وقال:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود ١١٨ و١١٩)، فالاختلاف في القدرات البدنية، والاستعدادات الفطرية، ودرجات العلم والفهم والذكاء، والمدارك العقلية، ورواسب الأعراف والعادات، وغيرها، كان له آثار ونتائج في تفكير الإنسان وفهمه، وطريقة توصله إلى المعرفة، وفي ميله وانجذابه إلى أنواع من الأدلة والأمارات والمفاهيم، دون الانجذاب إلى غيرها، ولذلك كانت الاختلافات في الأحكام الفقهية وبعض الأسس والأصول التي تُبنى عليها.
على أننا نشير إلى أن الشارع قد ذم الاختلاف في مواضع كثيرة من كتابه، كما بين أن بعض أنواع الاختلاف يُعد من الأمور السيئة والظواهر السلبية في المجتمع، كاختلاف أصحاب الملل وأهل البدع والأهواء. قال