للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يجد إماماً يوافق مذهبه الحديث ليقلده، فإنه لا يجوز له العمل به. ولعل وجهة نظر هذا القول أن نسبة ما يتضمنه الحديث المخالف لرأي الإمام، أبعد في الصحة من نسبة ما سكت عنه، فإذا كان الشأن أن لا ينسب إلى ساكت قول، فلأن لا ينسب إلأيه ما صرح بخلافه أولى، فضلاً عن أنه من الممكن أن تكون للإمام وجهة نظر في الحديث، وربما اطلع عليه، فظهر له معارض أو قادح، عنده. ووجهة النظر المذكورة صحيحة فيما نرى، ولكن في مجال دعوى أن الحديث مذهب الإمام، ونسبة ما تضمنه إليه. أما في نطاق العمل بالحديث فإنه إن كان المطلع عليه عارفاً بأحاديث النبي- صلى الله عليه وسلم- وبالغاً درجة الاجتهاد المطلق، وقادراً على الترجيح أو الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، فإن عليه العمل بالحديث.

يقول القرافي بشأن ما نقل عن الشافعي – رحمه الله- من أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، أو فاضربوا به- أي برأيه- عرض الحائط: (كثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا، ويقولون مذهب الشافعي كذا، لأن الحديث صح فيه، وهو غلط؛ فإنه لا بد من انتفاء المعارض. والعلم بعدم المعارض يتوقف على من له أهلية استقراء الشريعة حتى يحسن أن يقول: لا معارض لهذا الحديث. وأما استقراء غير المجتهد المطلق فلا عبرة به. فهذا القائل من الشافعية ينبغي أن يحصل لنفسه أهلية هذا الاستقراء قبل أن يصرح بهذه الفتوى) (١). وما ذكره القرافي سبق أن ذكرنا ما هو في معناه عن الإمام النووي- رحمه الله-.

ومهما يكن من أمر فإن العمل بالحديث هو الواجب، لأنه لا يجوز لأحد أن يعرض عن سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، لقول أحد من الناس، كائناً من كان. ولكن نسبة ذلك إلى الإمام، وادعاء أن ذلك مذهبه، لا تجوز، لما ذكرناه من توجيه، ولأننا لا نعلم موقف الإمام من ذلك الحديث، فلعله صح عنده أيضاً، ولكنه لم يأخذ به لوجود معارض له، أو لكونه منسوخاً عنده، أو


(١) شرح تنقيح الفصول ص ٤٤٩.

<<  <   >  >>