التخريج، مقتصراً على بحث صحة نسبة الأقوال المخرجة إلى الأئمة، دون أن يوضح معالم هذا العلم، ولكنه كان لبنة قيمة في هذا المجال.
وقد أدى هذا التصور للتخريج أن أجري طائفة من التغييرات على ما كنت أعده من محاضرات بهذا الشأن، وعدلت فيما كنت أطرحه من آراء، فأصبحت أنظر إلى التخريج على أنه أنواع من العلوم، يشملها جنس واحد هو التخريج.
ومن الملاحظ أن الأنواع الثلاثة من التخريج التي ذكرتها آنفاً تمثل نوعين متعاكسين من التخريج، أحدهما يتجه إلى تخريج القواعد والضوابط الكلية من الفروع والجزئيات، وثانيهما يتجه، على العكس من ذلك، إلى تخريج الفروع والجزئيات، إما ببنائها على القواعد الكلية، أو ببنائها على جزئيات مثلها.
ولما استقر ذلك عندي، بدا لي أن أضيف إليه أمراً ذا صلة بالتخريج، هو صفات المجتهد وشروط العلماء الذين يقومون به، ومنزلتهم بين طبقات الفقهاء، ومراتب الأقوال التي يخرجونها، وتسميتها وصفاتها.
وتحت إلحاح الكثيرين من أخواني الأساتذة والعلماء، ومن أبنائي طلبة الدراسات العليا، رأيت إخراج ما تجمع لدي من معلومات عن هذا العلم، مع ثقتي بأنه في حاجة إلى زيادة تنقيح، وربما إلى إضافة ما يمكن أن يدخل في نطاقه. على أنه مهما يكن من أمر، فقد بذلت جهداً غير قليل في تأصيل هذا العلم، وإقامته على سوقه، وربما كانت هذه أول دراسة تأصيلية نظرية تطبيقية له. ولهذا فإن الباحث في حاجة إلى معرفة وجهات نظر العلماء وملحوظاتهم، من أجل تقويم هذا البحث وتلافي ما فيه من هنات.
وقد رتبت هذا البحث على تمهيد وبابين وخاتمة.
التمهيد: في تعريف التخريج لغة واصطلاحاً وبيان أنواعه.
الباب الأول: في أنواع التخريج، ويشتمل على ثلاثة فصول:-