الحالف بها (يريد) جميعها لا بعضها، مع قول مالك الذي ذكرناه من المدونة وقول ابن القاسم الذي رواه عنه عيسى.
وأما إذا حلف بأشد ما حمله أحد على أحد فلم يأت بلفظ يقطع به على (أنه) أراد الجميع بل هو أقرب في عرف اللسان وبساط البيان إلى أن المراد به الواحد الشديد من جملة ما يحلف به؛ لأنه لو قيل لعربي: ما أشد الأيمان المحلوف بها (أجاب) ...
(يقول: الطلاق أو العتاق أو غيرهما مما هو أشدها عنده (وأثبتها) عليه ولم يكن جوابه) الطلاق والعتاق واليمين بالله وكذا وكذا فيأتي بجميعها؛ لأن هذا إنما هو واجب من قيل له: ما الأيمان كما أن من قيل له: ما الأعمال الزاكية؟ جوابه: الصلاة والزكاة والحج وكذا وكذا، ولو قيل (له): ما أفضلها؟ لسمي واحد منها (لا جميعها) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال:"الصلاة".
لم يأتي بجميعها وكذلك من قال: ما الأعمال الشاقة؟ فجوابه: نحت الحجارة والعمل (بالزواريق)، ونزول الآبار، وكذا وكذا. ولو قال: ما أشد الأعمال؟ (لقيل له): نحت الحجارة أو كذا، إنما يسمى له واحد منها؛ لأنه عن ذلك سأل.
هذا المتعارف في لسان العرب، ولذلك لم يلزمه ابن وهب في قوله: وأشد ما حمل أحد على أحد إلا كفارة يمين؛ لأن اليمين بالله هي اليمين المأمور بالحلف بها المأخوذ على المرء ألا يحلف بغيرها وهي اليمين الشديدة المعظمة بتعظيم المحلوف به فيها، وهو الله الذي لا إله إلا هو الكبير المتعالي.
وجعل ابن وهب رحمه الله شدتها في قصد الكذب فيها والمخادعة بها والتقصير في تعظيمها لا فيما يلزم (الحانث) فيها من كفارتها، ألا ترى قول عمر رضي الله عنه: اليمين الغموس (تترك) الديار بلاقع. يريد الحلف بالله كذبًا.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"م حلف (بالله) كاذبًا ليقتطع بيمينه مال أخيه (المسلم) لقي الله وهو عليه غضبان".
ورأى ابن القاسم رحمه الله، أن قصد الحالف بأشد ما اتخذه أحد على أحد إنما هو إلى ما يلزمه بالحنث في يمينه من المشقة فيما يخرج عنه من مال وغيره، فجمع لذلك تلك الأوجه (عليه) إذ قد يتخذها المستحلف على المستحلف تحريجا عليه لما يخاف من مخادعته إياه ومكره به فيما يحلف له به، وأما الأيمان اللازمة فلا يسوغ لأحد إخراجها عن معناها