لاسيما من صغرت سنه، وكان ابتداء طلبي، ثم انتقل عن قرطبة سنة ثلاث وأربع مائة ولم يمكني استفهام (عنه) فاعتقدت ذلك من فتواه، وكان حافظا ذاكرا للروايات، ولم أزل أطلب ذلك إن كان عن رواية.
فلما امتحنا بالفتوى نزلت هذه المسألة في دار بيعت وفيها نخلة مزهية، فأفتيت فيها بما كنت ضبطه عنه وحفظته منه، إذ حقق ذلك عندي النظر وصحة الخبر في الحجة التي احتج بها؛ أن الأصل تابع للأرض (فثمرته تابعة له) وخولفت في ذلك ولم أزل أطلبها أواصل البحث عنها، وأذاكر أهل الحفظ بها، فمن مستغرب لها مصوب، ومنكر مشعب.
إلى أن ظفرت بها سنة سبع وثلاثن وأربع مائة، لمحمد بن عبد الحكم في كتاب الشروط من تأليفه، قال محمد بن (عبد الحكم): من الناس من يقول (إذا) اشترى دارا بما فيها، وفيها نخل، فالثمرة للمشتري طابت أو لم تطب. فأما نحن فنجعل ذلك للبائع إذا أبرأ، إلا أن يشترطه المبتاع اتباعا للسنة فيه الآثار والذي أقوله في ذلك، ما شاهدت الفتيا به، وبه نفذ الحكم، وبالله التوفيق.
مسألة بيع الحرير التي هي من زي الرجال والذهب المغزول:
سئل ابن عتاب عمن صناعته عمل الحرير، وهل هو في سعة من عمل عمائم منه وشبهها مما لا يلبسه إلا الرجال، وهل بيعها مباح له؟ فقال: لا بأس بيعها وعملها، وإن كانت مما (يلبسه) الرجال؛ لأنه قد يشتريها من لا يلبسها، ومن يصرفها في غير الملبس.
وفي ثمانية أبي زيد هذا المعنى، قال أبو زيد سئل عبد الملك عن بيع ثياب الحرير من الوشي وغيره ممن يلبسها ولا يتحرج لباسها من المسلمين، كقلانس (وشي) الحرير، وجباب الحرير من الوشي، وغير ذلك، هل ترى على بائعه شيئًا؟ قال: لا شيء عليه، وليس هذا مما ينهي من بيعه، قد يشتريه من يلبسه، ومن لا يلبسه، وليس هذا بشيء، (ورأيته) ضعف ذلك. قال: وقال الأصبغ مثله.
وسألت أبا المرطف بن سلمة: عن بيع الذهب المغزول المحمل على الجلد، هل يجوز بيعه بالذهب؟ فقال: لا يجوز لأنه التفاضل بين الذهبين، ويجوز بيعه بالفضة يدًا بيد (إن شاء الله).