وليس في هذا كله تجويزه لأربعين عامًا، فكيف إلى خمسين مع شرط النقد في مسألتنا في أرض المطر، وذلك لا يجوز عند أكثرهم والعقد به فاسد عند ابن القاسم ومن وافقه، وكذلك ظاهر هذه النازلة الفساد بدلي ما ذكرنا من المسائل لطول أمده.
وأما عند غيره الذي ذكرناه من المدونة فلا يجوز هذا الكراء عنده بوجه، ولو لم يعقد إلا لسنتين فأزيد؛ شرط نقد الكراء أو لم يشترط.
ومما يزيد في بيان الفساد فيه لطول الأمد ما وقع في سماع ابن القاسم في كتاب العتق من العتيبة: سئل مالك عن محمد بن سليمان وكان قد أوصى في جواريه أن يحبس سبعين سنة ثم هن أحرار، فقال: أراه غير جائز، وينظر السلطان فيه، فإن رأى أن يعن؛ بعن، وإن رأى أن يعتقن؛ عتقن، وعجل عتقهن ولا يتركهن هكذا.
قال ابن القاسم: وهو رأي وقال ابن الماجشون: إن كان الأجل لا تبلغه أعمارهن؛ بعن، وكان بمنزلة من أعتق عبدًا بعد موته.
وهذا هو الفقه عندي في هذا، فإذا روعي في العتق طول الأجل هذه المراعاة، وأبطل؛ فهو في المبايعات والأكرية أكثر مراعاة، وفساد العقد به أبين فساد.
وهذه المسألة تبطل ما ذكره أبو جعفر بن رزق - سلمه الله - من جواز عقد الكراء إلى سبعين عامًا، ولا سمعته، ولا رأيته، وإنما حكي لي عن المنصور محمد بن أبي عامر أنه اكترى موضعًا حبسًا إلى سبعين عامًا، وهذا لو صح نقله لم يصح أصله، ولا يجوز العمل به لما ذكرناه عن مالك وأصحابه.
وقد ذكر ابن العطار في وثائقه أن الذي جرى به العمل في قبلات أرض الأحباس الأربعة أعوام، وهذا الذي شاهدناه نحن بقرطبة، وأما دور الأحباس والحوانيت وشبهها فإنما تكرى عامًا فعاماً، حضرت ذلك عند قضائها بمحضر فقهائنا مرارًا.
وقد رأيت مسألة نزلت في يجنة محبسة، سوادها تبع لبياضها قبلت إلى اثنى عشر عامًا، حكم فيها صاحب أحكام قضاء الجماعة بقرطبة أبو بكر يحيى ابن قاضي الجماعة أبي بكر محمد بن بيقي بن زرب، بخصام جرى بين ورثة المقتبل والمقبل في غرس كان غرسه فهيا، وذكر في حكمه أنه شاور في ذلك الفقهاء فاختلفوا في نقض الكراء فيها لطول المدة، قال بعضهم: يفسخ، وقال بعضهم يمضي، وأين هذا مما نحن فيه.؟