وقال ابن وهب عن مالك: من أسكن دارًا حياته فله أن يكريها السنة والسنتين وينتقد، ولا يرجع في المدة ولكن يكري قليلا قليلاً. وفي ثاني وصايا المدونة قال ابن القاسم: من أخدم عبدًا حياته فلا يبع خدمته من أجنبي، إلا لمدة قريبة السنة والسنتين والأمر مأمون، ولا يكريه إلى الأجل البعيد. وهو قول مالك.
وقال ابن أبي زمنين: يريد إذا انتقد، وكذلك الدار، ولا بأس بتطيول المدة إذا لم ينتقد إلا بما سكن، وهذا كله شاهد لما قلناه، والهدي من الله ولا يوافق له سواه.
واختصرت بعض ألفاظ هذه المسألة لقصدنا منها إلى ما استظهرنا به.
وأما ما اغترس في الرض المكتراة فرواية ابن القاسم عن مالك في المدونة أنه إذا تمت المدة فلعله المكتري، إلا أن يشاء المكري أخذه بقيمته مقلوعًا فله ذلك، ولا يكون للغارس قلعة حينئذ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم)"لا ضرر ولا ضرار (١) ".
وكذلك الغارس في أرض منحها ليغرس فيها لمدة سمياها فنقصت أو لغير مدة، وقد مضى ما يرى أنه منحها لمثل ذلك من الأمد، لرب الأرض أخذ الغرس بقيمته مقلوعًا يوم الحكم، وإن لم يشأ ذلك كلف الغارس قلعة، وحجة المكري ليبنيه والإذن أنه إنما يأخذه بقيمته مقلوعًا لأنه يقول: لم آذن لك في الغرس حين أذنت لك وأنا أريد أن أغرم شيئًا، وإنما أذنت لك لترتفق، وقد علم الغارس حين غرس بإذن أو كراء أنه يطلبه يقلع ذلك عند انقضاء المدة، فلم يغرس ولا بني إلا وقد أجمع على القلع لا على الإبقاء. قال ابن القسم: ورددته على مالك غير عام، فقال مثل ذلك.
وقال ابن المواز: يأخذه بقيمته مقلوعًا بعد طرح أجر من يقلع ذلك. وهذا خطأ من القول لا معنى له إنما يقوم مقلوعًا فأي أجرة قلع في هذا.
(١) الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه ج٢، ص ٦٦ برقم ٢٣٤٥، وقال: صحيح على شرط البخراي ومسلم ولم يخرجاه، والبيهقي في الكبرى ج ٦، ص ٦٩ برقم ١١١٦٦، والدراقطني في سننه ج٣، ص ٧٧، والإمام الشافعي في مسنده ج ١، ص ٢٢٤، وابن ماجه ج ٢، ص ٧٨٤ برقم ٢٣٤٠، والإمام مالك في موطئه ج ٢، ص ٧٤٥ حديث رقم ١٤٢٩، والطبراني في السوط ج ١،، ص ٩٠ برقم ٢٦٨، والإمام أحمد في مسنده ج ١، ص ٣١٣ برقم ٢٨٦٧.