وذكر ابن حبيب عن المدنيين من أصحاب مالك في هذا وفي كل ما بني أو غرس بشبهة، لا بتعد: أنه إنما يأخذه رب الأرض بقيمته قائمًا، وقد شهدت شيخنا أبا عبد الله بن عتاب رحمه الله يفتي بذلك، وخالفه أبو عمر بن القطان وأفتى بقيمته مقلوعًا على قول ابن القاسم وروايته، وبه العمل.
وهو أصح عندي في النظر، غير أنه يتوجه عندي في هذه النازلة أن يكون للغارس قيمة غرسه قائماً.
وله تفسير، انظره في الفروق قال: وإن أمضى الراء إلى انقضاء الأمد فله حينئذ أخذه بقيمته مقلوعًا، ومن هذه يستدل على أن لذلك المكتري قيمة ما غرس قائمًا إذا نقض باقي أمر كرائه إن لم يستوف الأمد الذي كان أكرى إليه.
وبهذه يستغنى إن شاء الله عن قول سحنون في مبتاع الحبس يبني فيه أو يغرس، وهو معروف لابن القاسم، أن يؤمر يقلع بنيانه وقنضه، وإن كانت الحجة آخرًا لسحنون، ذكرها ابن زيد في النوادر، ومنع سحنون فيها من أن يعطي مستحق الحبس قيمة البنيان للباني.
وفي غير النوادر اختلف في تفسير الواجب في ذلك البنيان، فقال سحنون في كتاب الشرح للمسائل لابن عبدوس: يؤمر الباني بقلع بنيانه إذ ليس ثم من يعطيه قيمة.
وقال ابن المواز في كتابه: أخبرني أصبغ وغيره عن ابن القاسم، قال: سمعنا مالك يقول فيمن حبس دارًا أو أرضًا على رجل حياته، فبني أو غرس ثم مات المحبس عليه - قال: إن أرضي صاحب الدار ورثة المحبس عليه الباني، وإلا أخذوا نقضهم وغرسهم، إلا أن يعطيهم قيمة ذلك مقلوعًا، فقد أعطاك ذاكر هذا في تأليفه أنه يجوز أن يعطي الباني في الحبس قيمة بنيانه أو غرسه بخلاف قول سحنون.
وفي شفعة المختلطة:
سئل مالك عن قوم حبست عليهم دارًا فبنوا فيها ثم مات أحدهمن فأراد بعض ورثته أن يبيع نصيبه من ذلك البنيان، فأراد إخوته الأخذ بالشفعة. قال مالك: مال الشفعة إلا في الأرضين والدور، وإن هذا شيء، وأرى لهم فيه الشفعة، ونزلت بالمدينة فاستحسن مالك أن يجعل فيها الشفعة.
وقال ابن عبدوس: قال سحنون: هو يقول ما بني في الحبس فليس له أخذه ولا بيعه