وهذا كله تقصير، وقد نهينا عما يشبهه فيما تتقدم، ولهذا كله بسط يطول معه الكتاب لو ذكرناه، فتركناه لئلا تخرج عن الحد الذي قصدناه من جمع شمل النوازل، وما قرب ضمه إليها من المسائل.
أين يكون التحاكم في مال غائب فيه التخاصم؟
في أحكام ابن زياد: كشف القاضي - وفقه الله - عن أمر قد أحاط علمه به تزايدًا من علم غيره إلى علم نفسه، فقال: إذا اجتمع الخصمان عندي فتداعيا مالا غائبًا عن موضعي، هل لي أن أنظر بينهما، والمال في غير بلدي؟
فقلنا: بإجماع. أن ذلك مما يجب على القاضي إن شاء الله، وإنما يتوقف عن النظر والفصل بالقضاء في المال الذي يكون في غير بلده، إذا لم يتقاعد الخصمان عنده لغيبة أحدهما، فيكون الواجب حينئذ، إذا أثبت الحاضر غيبة خصمه - أن يسمع منه جميع ما يدلى إليه، فإذا لم يبق إلا القطع والحكم بالقضية له؛ كتب إلى قاضي البلد الذي به المال بمبلغ نظره، فيكون ذلك القاضي المنفذ لنظر قاضي الجماعة مبتدئ النظر للحاضر القائم عنده هذا الذي مضى عليه فتيا أهل العلم وقولهم إن شاء الله.
قال القاضي:
في آخر كتاب الجدار لعيسى بن دينار في الرجل من أهل قرطبة تكون له الدار أو القرية أو الحق بجيان، فيدعي ذلك رجل من أهل جيان، ويريد مخاصمة القرطبي عند قاضي جيان حيث الشيء المدعي فيه؛ فقال: لا يدفع القرطبي معه إنما يتحاكمان حيث المدعي عليه.
قال: وأخبرني من حضر ابن بشير، حكم به وكتب به إلى بعض قضاته. وروي ابن حبيب عن مطرف بن عبد الله مثله.
قال: وكذلك لو كانت الدار في غير موضع المدعي وفي غير موضع المدعي عليه؛ لم يلتفت إلى ذلك، وكان الحكم حيث المدعي عليه. قال ابن حبيب: وسألت عن ذلك ابن الماجشون، فقال لي: إنما يكون النظر حيث المدعي والمدعي فيه ويسمع قاض ذلك الموضع من بينته وحجته، ويضرب لصاحب الدار أجلا على حال ما يصنع بالغائب، وإن كانت الدار بغير موضع المدعي، فحيث تكون، فإذا جاء صاحب الدار في الأجل؛ خرج أو وكل على الدفع عن نفسه والخصومة لها.