ثم قسمته على السنة. وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار (١) " فمن أعظم الضرر أن يقسم بينهم ما لا ينتفع به، ولكن يباع ويقتسمون ثمنه.
قال ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: ولو لم يضق في القسم إلا عن واحد منهم، وإن كان أصغرهم سهمًا فلا يقسم؛ لأنه ضرر، وإن كان في نصيبه اليسير منتفع في بعض وجوه الانتفاع، وإن قل مما لا ضرر فيه، قسم. قال ابن حبيب: وهو قول جماعة أهل العلم، وبه جرى عمل حكام المسلمين بكل بلد: اجتناب قسمة الضرر.
قال: ومن قسمة الضرار قسمة ما لا يحمل القسم، وما قسمه يحيل له عن حاله ومفسد على أهله: كالحمام، والفرن، والرحي، والبئر، والعين الساقية، والدكان، والجدار، والطريق، والشجرة الواحدة، والثوب الواحد، والمصراعين، والخفين، والخرج، والغرارتين، وشبههما مما ينقص القسم ثمنه، فلا يحكم السلطان بقسمة شيء من ذلك.
في أحكام ابن زياد:
كشف القاضي ابن مرهف من قسمة دار أبيهم وليد بن مرهف، وما ذهب إليه بعضهم من البيع، إذ ذلك أن سهمه يضيق عن القسم، وفي قسمته ضرر عليه.
وقال غيرهم: إن الدار تحتمل القسم وتكون لأقلهم سهمًا منفعة في سمه وسكنى، وما ذهب إليه من إرسال القاضي إلى الدار من يثق به فأخذ مساحتها وصفة بيوتها حتى ينظر في ذلك ويمتحنه، إن شاء الله، وما كان من إرسال القاضي وأخذاه الوصف وأمره بقراءة الوصف علينا، فوجدنا فيها بيوتًا وعلالي في دارين داخلة وخارجة، نحوًا من سبعين جائزة، أو أكثر منها، وفي السقالي أكثر من أربعين جائزة فاختلفنا عند المناظرة في قسمتها، وأجتمعنا في الفتيا على قسمتها، ثم انتهى إلينا أن بعض أصحابنا طعن في ذلك ورجع عنه، إلى أن القسمة ضرر والبيع أنفى للضرر، وهذا مقال – أبقى الله القاضي – لم نسمعه عن مدني ولا مصري ولا أندلسي، وهذه كتبهم تنطق بما يدل على أن البيع ظلم على من كرهه، والقسمة هي السنة فيها بإجماع.