للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال مطرف: وكان كثير من أصحابه لا يون ذلك: منهم ابن أبي حازم، والمغيرة، وابن دينار، وغيرهم، وقالوا: إنما معنى قول الله - عندنا: {مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا} (النساء: من الآية ٧) أن لهم حقهم من ذلك، ثم قسمت على السنة، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (لا ضرر ولا ضرار (١)) فمن الضرر أن يقسم بينهم ما لا ينتفع به، ولكن يباع ويقتسمون ثمنه.

قال مطرف: وبهذا كان قضاة المدينة يقضون إلا رجلا واحدًا وهو هشام بن عبد الله المخزومي؛ فإنه كان يقضي فيه بقول مالك. قال مطرف: فالذي أخذ به إذا كان بعضهم ينتفع به لسعة سهمه، ويضيق عن بعض لقلة سهمه، فأرى أن يقسم بينهم كما قال مالك، وإن كان لا ينتفع به واحد منهم لقلة نصيبهم جميعا؛ فبيعه واقتسام ثمنه أعجب إلي.

وذهب ابن الماجشون إلى مذهب ابن القاسم فقال: إن كان أصغرهم سهمًا يكون له فيه انتفاع في وجه من وجوه المنافع وإن قل ذلك مما لا ضرر فيه؛ فالقسم فيه قائم.

وذهب أصبغ بن الفرج في اختياره - بعد أن حكى قول مالك وابن كنانة أنهما كانا يريان قسمته، وإن لم يكن فيه منتفع - إلى قول ابن القاسم، فقال عن ابن القاسم: إذا لم يضر في نصيب كل واحد منهم ما ينتفع به، فالذي دعا إلى القسمة وكره البيع مضر بأصحابه إذا دعا إلى ما لا منفعة فيه، واحتج بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار" وبحديث رواه عن ابن وهب عن صدين بن موسى مرسلا لا يثبت عند أهل العلم مثله أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا تعضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسمة (٢) " والتعضية: التفرقة؛ فلا يقسم ما لا يحتمل، كان ذلك الضرر على الجميع أو على بعضهم. وخالفه في هذا المعنى عيسى بن دينار في كتاب الجدار، فقال بقول مطرف بن عبد الله حرفًا بحرف.

فهذا - حفظ الله القاضي - ما اختلفوا فيه؛ فليمحه ويكشف معانيه، فإنه يدله على أن قول ابن القاسم وأصبغ ومن أخذ مذهبهما يجيزون قسمة دار ابن مرهف؛ لأن في قولهم: ولا يكون فيما يقسم منه منتفع، فأي منتفع أنفع وأوسع من سهام نم ينقسم


(١) ... الحديث تقدم تخريجه.
(٢) ... أورده ابن أبي حاتم في العلل ج ١، ص ٣٩٢، والدارقطني في علله ج ١، ص ٢٩٠.

<<  <   >  >>