وفي المدونة لابن القاسم رحمه الله ما يدل على جوازهن والاختلاف من أصحاب مالك المدنيين والمصريين في حيازة الناض، إذا ختم عليه الشهود، واستقر بيد الواهب – معلوم، إلا أنه إذا كان أقل الهبة كما ذكرت، فهو جائز نافذ، وبيع الأب الدور من ابنته بالهبة جائز صحيح، إذا كانت الدور التي باعها خالية من سكناه أو ثقله، فإن كانت في سكناه حين البيع فلا يجوز ذلك إن كان البيع بحدثان الهبة وبقربها، حتى تستكمل الحيازة بانقطاع من حين الهبة٠
وبهذا كان يفتي كثير من فقهاء بلدنا، وهو قول صحيح على مذهب ابن القاسم، فإذا صحت الحيازة وانقضت السنة؛ جاز التصيير في الدور وصح، ولا خلاف أعلمه إن بيع ما فيه منتزل أو من يمنع مالكه من تملكه؛ لا يجوز، وأن البيع فيه مفسوخ ما كان المبيع بحالة لم يدخله فوت، ويرد إلى ربه. وإن دخله فوت؛ فكان الشيوخ عندنا يختلفون فيه فمنهم: من كان يحمله محمل البيع الفاسد، ومنهم من كان يفسخه على كل حال.
والى هذا كان يذهب أحمد بن خالد وغيره، وكان اختلافهم على غير رواية عندهم في ذلك، وكنت أذهب إلى قول أحمد بن خالد لدليل يؤيده، حتى ودت لمالك رحمه الله في بعض الروايات ما أوجب الاختيار له والمصير إليه.
وأما بيع الأب على ابنته، وفيه غبن وقت البيع أزيد من الثلثين، فقد قال مالك في المدونة وغيرها: إنما يجوز بيع الب مال ابنه على وجه انظر وابتغاء الفضل، فإذا كان على غير ذلك لم يجز ورد، ولم يحد في ذلك حدًا. وقال في المأمور ببيع السلعة ببيعها بما لا يشبه أو بما لا يتغابن الناس في مثله: إن ذلك لا يجوز على الأمر. قال ابن القاسم: مثل أن يبيع الجارية بخمسة دنانير أو بأربعة، وهي ذات ثمن كثير، أو يبيع الغلام أو الدابة بدينار أو بدينارين؛ فهذا لا يجوز.
وفسخ البيع الذي سألت عنه بالغبن الذي ذكرت واجب، وصرف الدور على الابنة لازم، وقد كان بعض أصحابنا البغداديين يحد في الغبن الذي يرد البيع به الثلث، ويذكره عن مالك، وهو حسن في ذلك إن شاء الله عز وجل.
وللابنة القيام بالغبن أو بالتنزل، أو بهما جميعًا، فإن ثبت أو ثبت أحدهما؛ وجب الفسخ، على حسب ما ذكرت هذا الواجب فيما سألت عنه، والله الموفق للصواب، وإليه عز وجل ارغب في التوفيق.