لتُمسكنَّ لسانك، أو لأسوءَنك. فقال الجارود: أما والله ما ذاك بالحق، أن يشرب ابنُ عمِّك وتسوءُني! فقال أبو هريرة: يا أمير المؤمنين، إن كنت تشكُّ في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فسلها. وهي امرأة قدامة، فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها، فأقامت الشهادة على زوجها، فقال عمر لقدامة: إني حادُّك. فقال: لو شربتُ كما يقولون ما كان لكم أن تجلدوني. فقال عمر: لم؟ قال قدامة: قال الله تعالى ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا﴾ [المائدة: ٩٣]. الآية إلى ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: ٩٣]. فقال عمر: أخطأت التأويل، إنك إذا اتَّقَيت اجتنبت ما حرم الله عليك. قال: ثم أقبل عمر على الناس، فقال: ماذا ترون في جلد قدامة؟ قالوا: لا نرى أن تجلده ما كان مريضًا. فسكت عن ذلك أيامًا، وأصبح يومًا وقد عزم على جلده، فقال لأصحابه: ما ترون في جلد قدامة؟ قالوا لا نرى أن تجلده ما كان ضعيفًا. فقال عمر: لأن يلقى الله تحت السياط أحبَّ إليَّ من أن يلقاه وهو في عنقي، ائتوني بسوطٍ تامٍّ. فأَمَرَ بقدامة فَجُلِد، فغاضب عمرَ قدامةُ وهجره، فحجَّ وقدامة معه مغاضبًا له، فلما قفلا من حجِّهما، ونزل عمر بالسُّقْيا نام ثم استيقظ من نومه، قال: عجِّلوا عليّ بقدامة فائتوني به، فوالله إني لأرى آتٍ أتاني فقال: سالِمْ قدامةَ؛ فإنَّه أخوك. فعجِّلوا عليَّ به. فلما أتوه أبى أن يأتي، فأمر به عمر إن أبى أن يجرُّوه إليه، فكلَّمَه عمرُ، واستغفر له، فكان ذلك أول صلحهما) (١).
١٣١ - قال ابن جريج: (قال لي الحسنُ بن مسلم: من أصاب من الصيد ما يبلغ أن يكون شاةً فصاعدًا فذلك الذي قال الله: ﴿فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [المائدة: ٩٥]، وأما: ﴿أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ﴾ [المائدة: ٩٥]: فذلك الذي لا يبلغ أن يكون فيه هدي، قال: ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً﴾ [المائدة: ٩٥]: عدلُ النعامة أو عدلُ العصفور أو عدلُ ذلك
(١) تفسير ابن أبي حاتم ٤/ ١٢٠٢. وينظر: استدراكات السلف في التفسير (ص: ١١٢).