وأما إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع رأيتهم متفرقين مختلفين وشيعًا وأحزابًا لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد يبدع بعضهم بعضًا بل يترقون إلى التفكير يكفر الابن أباه والرجل أخاه والجار جاره. تراهم أبدًا في تنازع وتباغض واختلاف تنقضي أعمارهم ولما تتفق كلماتهم "تحسيهم جميعًا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون".
أو ما سمعت أن المعتزلة مع اجتماعهم في هذا اللقب يكفر البغداديون منهم البصريين والبصريون منهم يكفر البغداديين ويكفر أصحاب أبي علي الجباثي ابنه أبا هاشم وأصحاب أبي هاشم يكفرون أباه أبا علي وكذلك سائر رؤوسهم وأرباب المقالات منهم. إذا تدبرت أقوالهم رأيتهم متفرقين يكفر بعضهم بعضًا ويتبرأ بعضهم من بعض.
وكذلك الخوارج والروافض فيما بينهم وسائر المبتدعة بمثابتهم وهل على الباطل دليل أظهر من هذا قال تعالى {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله}.
وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل فأورثهم الاتفاق والايتلاف وأهل البدعة أخذوا الدين من المعقولات والآراء فأورثهم الافتراق والاختلاف، فإن النقل والرواية من الثقات والمتقنين قلما يختلف، وإن اختلف في لفظ أو كلمة فذلك اختلاف لا يضر الدين ولا يقدح فيه. وأما دلائل العقل فقلما يتفق بل عقل كل واحد يرى صاحبه غير ما يرى الآخر وهذا بين والحمد لله.
وبهذا يظهر مفارقة الاختلاف في مذاهب الفروع اختلاف العقائد في الأصول فإنا وجدنا أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ورضي