ظهورهم، وجعلوا السنة تحت أقدامهم، تعالى الله عما يصفون.
وأما أهل الحق، فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم، وطلبوا الدين من قبلهما وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم، عرضوه على الكتاب والسنة فإن وجدوه موافقًا لهما قبلوه، وشكروا الله عز وجل حيث أراهم ذلك ووفقهم عليه، وإن وجدوه مخالفًا لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة ورجعوا بالتهمة على أنفسهم، فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق ورأى الإنسان قد يرى الحق وقد يرى الباطل، وهذا معنى قول أبي سليمان الداراني، وهو واحد زمانه في المعرفة، ما حدثتني نفسي بشيء إلى طلبت منه شاهدين من الكتاب والسنة، فإن أتى بهما وإلا رددته في نحره، أو كلام معناه.
ومما يدل على أن أهل الحديث هم على حق؛ أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم وتباعد ما بينهم في الديار؛ وسكون كل واحد منهم قطرًا من الأقطار، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد يجرون في على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها قولهم في ذلك واحد وفعلهم واحد لا ترى بينهم اختلافًات ولا تفرقًا في شيء ما وإن قل.
بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم نقلوه عن سلفهم، وجدته كأنه جاء من قلب واحد وجرى على لسان واحد وهو على الحق دليل أبين من هذا. قال الله تعالى {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا}؛ وقال تعالى:{واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا}.