ويكشف بعضها حتى يفهمه بعض الأعاجم؛ ويشير إلى الشيء ويكنى عن الشيء، وتكون عنايته بالكلام على حسب الحال وقدر الحفل وكثرة الحشد وجلالة المقام، ثم لا يأتي بالكلام كله مهذبًا كل التهذيب. ومصفى كل التصفية، بل تجده يمزج ويشوب، ليدل بالناقص على الوافر، وبالغث على الثمين، ولو جعله كله بحرًا واحدًا لبخسه بهاءه ولسلبه ماءه. ومثل ذلك الشهاب من القبس تبرزه للشعل والكوكبان يقتربان فينقص النوران، والسحاب ينظم بالياقوت والمرجان والعقيق والعقبان، ولا يجعل كله جنسًا واحدًا من الرفيع بالثمين ولا النفيس المصون.
وألفاظ العرب مبنية على ٢٨ حرفا -وهي أقصى طرف اللسان، وألفاظ جميع الأمم قاصرة عن ثمانية وعشرين حرفا -، ولست واجدًا في سيء من كلامهم حرفًا ليس في حروفنا إلا معدو لا مخرجه شيئًا مثل الحرف المتوسط مخرجى القاف والكاف والحرف المتوسط مخرجي الباء والفاء، فهذه حال العرب في سيأتي ألفاظها، ولها الأعراب الذي جعله الله وسيلة لكلامها وحيلة لنظامها وفارقًا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين والمعنيين المختلفين كالفاعل والمفعول. لا يفرق بينهما إذا تساوت حالاهما في إمكان الفعل أن يكون لكل واحد منهما إلا بالإعراب.
ولو أن قائلا قال هذا قاتل أخي بالتنوين. وقال آخر هذا قاتل أخي بالإضافة "لدل التنوين على أنه لم يقتله، ودل حذف التنوين على أنه قتله.