بالكلية، وبناء الجواب على خطابه عز وعلا مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله، والحق الذي لا محيد عنه أنه استئناف صدر عن إلحاقه بمحض ملاحظة اتصافه تعالى بما ذكر من النعوت الجليلة الموجبة للإقبال الكلي عليه من غير أن يتوسط هناك شيء آخر كما ستحيط به خبراً.
(أقول) هذا مع أنه على طرف التمام مسروق من حواشي الطيبي، وليس أوّل سار غرّه القمر، فإنّ هذا السؤال ليس محققاً ولا مقدراً في النظم حتى يلزم ما توهموه وانما هو أمر ينساق إليه الكلام السابق حتى نزل منزلة السؤال، وماكه إلى اقتضاء ما قبله للخطاب، وحينئذ يكون أشذ اتصالاً به سواء قدر من جهة الله أو لا، ولو جعل استئنافا حقيقيا لم يرتبط به لكونه في حكم كلامين والإلتفات فيه لا يلتفت إليه، ولكون العبادة أجل تعظيم وأظهره صح أن تجعل كالمبين للحمد لأنه أخو الشكر، فتبين أنه ليس بمجرّد اللسان بل ظاهره مطابق لباطنه فيه، ولا يلزم من الالتفات اتحاد الخطاب كما صرح به ابن الأثير، وأشار إليه السكاكي، فما ذكره من التعكيس وغيره ساقط. قوله:(أو أفراد إلخ) وقع في نسخة بالواو يعني أفرد بالذكر كبدل البعض من الكل في الجملة نحو أمدّكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين، ولا ينافيه اختلافهما خبرا وانشاء ولا حاجة لتأويل نستعين بأعنا، وقيل إنه توجيه لتخصيص الهداية بالطلب في مقام الجواب عن قوله كيف أعينكم وليس بيانا لكونه من ذكر الخاص بعد العامّ كما في قوله تعالى:{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى}[البقرة: ٢٣٨] لأنّ الطريقة المسلوكة فيه العطف بالواو، وكون الهداية للصراط مقصودة لا يضره كونه طريقا وفيه ما فيه ط وأمّا ما قيل من أنه ابتداء دعاء وسؤال حينئذ إذ لم يجعل مربوطا فيكون ترك الواو لكمال الانقطاع بين الجملتين لاختلافهما في الخبرية والإنشائية، فغير سديد كما أشرنا إليه، وقيل: إن كان المراد بالاستعانة طلب المعونة في المهمات كلها، فإن كان المراد بالصراط المستقيم طريق الوصول إليها كان اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة، وان كان المراد به ما يخص العبادات كان إفراداً لما هو المقصود الأعظم منها والأوّل وان كان خلاف المتبادر لكنه محتمل، وبه يلتثم الكلامان، وينتظمان أشدّ انتظام، وان كان المراد بالاستعانة طلب المعونة في أداء العبادات كان اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة لكون الصراط ما يوصل إلى العبادة، كما هو الظاهر فيتلاءم الكلام وتنتظم جمله أشد انتظام وحكم السيد بأنه على عموم الاستعانة لا يكون اهدنا بيانا للمعونة بناء على حمل الزمخشريّ الصراط المستقيم على ملة الإسلام، فإن قلت: كيف يكون اهدنا بياناً للمعونة المطلوبة، وخلق القدرة ممكة كانت أو ميسرة من المعونة المطلوبة ولا تندرح في الهداية قلت بتقييد اللطف في تعريف الهداية تندرج فيها لإنه عندنا خلق
القدرة على الطاعة كما في شرح المقاصد، فإذا اندرج فيها جاز أن تكون المعونة المطلوبة هي الهداية إلى طريق الوصول إلى المهمات على الأوّل، والى العبادات على الثاني، فيحمل عليه الكلام ليتلاءم، ويجوز أن يقال المراد أنّ المعونة المطلوبة إن كانت الهداية، فاهدنا بيان لها، وان كانت ما يتناولها، فافراد لما هو إلخ ثم إنه سيجيء أنّ المطلوب إمّ زيادة الهدى أو الثبات عليه، أو حصول المراتب المترتبة عليه، فكون اهدنا بياناً بناء على أنّ زيادة الهدى أو الثبات عليه إعانة على بعض ما يستعان فيه قطعاً، وانّ الإعانة على البعض إعانة على الكل لتوقفه عليه، أو على أنّ المستعان فيه تكميل العبادات، أو المهمات بأحد الوجهين الازدياد، أو الثبات وأمّا الهداية إلى المراتب المترتبة عليه، وكونها بيانا للمعونة على أداء العبادات، فإنما يصح إذا كانت وسيلة إلى العبادة، وقد قيل عليه إنّ قوله في صدر كلامه إن كان إلخ غير متأت هنا لأنّ الأوّل يأباه ما في الدرّ المنثور عن ابن عباس وضي الله عنهما من تفسير الهداية إلى الصراط المستقيم بالهام الدين الحق، ولذا فنره في الكشاف، وغيره بملة الإسلام، فهو مخالف لما عليه المفسرون، وكذا كون صراط الذين أنعمت عليهم بدلاً منه.
وقوله وا ن كان المراد بالاستعانة طلب المعونة في أداء العبادات كان اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة لكون الصراط ما يوصل إلى العبادة مخالف للمتبادر من كلام المصتف، فإنه يفهم منه إنّ البيان على تقدير تخصيص الاستعانة بالعبادات، والافراد على تقدير تعميمها، وعليه أكثر أرباب الحواشي بل كلهم، وقوله