للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت إلخ قد يجاب أيضا بأنه يمكن أن يقدر متعلق الاستعانة ما ينطبق أحد هذه الأمور عليه، فليتأمّل انتهى وفيه ما فيه. قوله: (والهداية دلالة إلخ (هذا برمته مأخوذ من كلام الرإغب رحمه الله في مفرداته، إلاً أنه وقع في نسخة بدل قوله بلطف بتلطف، والأولى أولى رواية ودراية، وانما قيده به لدلالة اشتقاقه وماذته عليه ولذا أطلق على المشي برفق تهاد وسميت الهداية لطفا، ومن لم يدر هذا قال لاً نها في اللغة الإرشاد، وهو عين اللطف، ولذا قال ابن عطية إنها لغة الإرشاد، وهل يعتبر في هذه الدلالة الإيصال أم لا فيه خلاف سيأتي تحقيقه، ونعني باللطف كما في الصحاح وغيره من كتب اللغة الرفق المقابل للعنف وهو في صفة الأجسام مقابل للغلظ والكثافة، ويكون اللطف واللطافة أيضاً عبارة عن الحركة الخفية، وتعاطي الأمور الدقيقة وقد يعبر به عما لا تدركه الحاسة كما قاله الراغب وهذا تحقيقه باعتبار الوضع اللغوي مطلقا.

وأمّا هو في صفاته تعالى، فمعناه كما قاله الراغب أيضاً إمّ العالم بدقائق الأمور والخفيات

أو الرفيق بالعباد في هدايتهم وغيرها انتهى. وفي شرج الأسماء الحسنى للشيخ بهاء الدين قدس سرّه، اللطيف الذي يعامل عباده معاملة اللطف لأنّ ألطافه في الدارين لا تتناهى، والله لطيف بعباده يرزق من يشاء فيهيىء مصالح الناس من حيث لا يشعرون وتيل اللطيف العليم بالغوامض والدقائق ولذا قيل لكل حاذق لطيف ويحتمل أن يكون من اللطافة مقابل الكثافة، وهو وأن وصفت به الأجسام ظاهراً إلاً أنّ الجسمية لا تنفك عن الكثافة، ولطافتها إضافية، فاللطافة

المطلقة لا يوصف بها الآ نور الأنوار المتعالي عن إدراك البصائر والأبصار، ووصف غيره بها بالإضافة لما هو دونه، فهو من الأسماء الدالة على الصفات الذاتية، وعلى الأولين يرجع إلى الفعل ويقاربه اسم الكريم انتهى. وسيأتي في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: ٥٣ ا] ما يشير لما ذكر، فما نقل هنا عن السيد السند من أنّ اللطف عندنا خلق قدرة الطاعة في العبد وعند المعتزلة اللطف ما يختار المكلف عنده الطاعة، أو يقرب منها ولا يفضي إلى القسر والإلجاء إن كان تفسيرا لما وصف به العباد، فهو مخالف لما حققه أهل اللغة وإن كان لما وصف به الباري، فهو مخالف أيضاً لما في النظم ولما عليه أئمة التفسير فتدبر. قوله: (ولذلك تستعمل في الخيرا لأنه المناسب للطف كما سمعته. وقوله: (على التهكم) إشارة إلى أنّ ما ذكر ونحوه لا يرد نقضاً، على أنه إنما يستعمل في الخير لأنه معتبر في معناه الحقيقي، وهذا مجاز استعارة تمثيلية أو تبعية، فلا يرد نقضاً، وقيل: ليس هذا من الهداية بمعنى الدلالة بل من الهداية بمعنى التقديم والتخوز أحسن وأبلغ وقوله ومنه الهدية فصله لأنه مغاير له بحسب المعنى واللفظ، لأنّ فعل الأوّل هدى، وفعل الثاني بمعنى الإعطاء أهدى كأهديت الهدية والهدى إلا أنه يشاركه في أصل المعنى والمادّة كما مرّ. قوله: (وهوادي الوحش إلخ) الهوادي جمع هاد وهو العنق، وأوّل القطيع من الظباء ونحوها والوحش بفتح الواو، وسكون الحاء المهملة، والشين المعجمة الوحوس، وهي حيوان البر الواحد وحش ويقال حمار وحش بالإضافة وحمار وحش، فالوحش يكون للواحد والجمع، ولا تختص الهوادي بالوحش كما يوهمه كلام المصنف رحمه الله، وفي الصحاح والهادي العنق، وأقبلت هوادي الخيل إذا بدت أعناقها ويقال أوّل رعيل منها وقول امرىء القيس:

". كأنّ دماء الهاديات بنحره

يعني به أوائل الوحش انتهى. وظاهر كلام أهل اللغة أنه حقيقة في العنق، وإطلاقه على

الأوّل مجاز وإن اشتهر فيه كما في الأساس فقوله لمقدّماتها بفتح الدال المتقدمة منها في الورود ونحوه، أو أعضاؤها المتقدمة كالرأس والعنق لأنها تسمى هوادي أيضاً كما سمعته. قوله: (والفعل منه) أي من الهداية المقصودة بالذكر هنا لا من مجموع ما مرّ فلا يرد عليه أنّ فعل الهدية أهدى كما مرّ. وقوله: (وأصله أن يعدى إلخ) أي إلى المفعول الثاني وقد يحذف منه الحرف فيتعدّى إليه بنفسه كاختار فإنه يتعدى لأحد المفعولين بنفسه وللآخر بمن وقد يتعدى له بنفسه، كقوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: ١٥٥] على الحذف، وا لإيصال هذا ما قاله المصنف تبعاً للزمخشري وقيل: هما لغتان كما في الصحاح هديته الطريق لغة أهل الحجاز وإليه لغة غيرهم، والفاء في قوله فعومل فصيحة، وقيل: إنه إذا عدّي باللام مصدره

الهدي، وإذا عدّي بإلى مصدره الهداية كما في الديوان وغيره

<<  <  ج: ص:  >  >>