الميشرات وهي جزء من أجزاء اليحوّة كما ورد في الحديث المشهور (١) ، وانكشاف الحقائق بها يقيناً مخصوص برؤياهم سواء أوّلت، أو وقعت بعينها. وقوله:(كما هي) أي كما هي هي في نفس الأمر، كقولهم من حيث هو هو وإعرابه مشهور. وقوله:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ}[الأنعام: ٩٠] الآية الشاهد فيها في الهداية الأولى أو فيهما والمراد بهداهم ما توافقوا عليه من التوحيد، وأصول الدين كما سيأتي في سورة الأنعام تحقيقه، فلا وجه لما قيل من أنه يمكن حملها على الثالث حتى توهم بعضهم أنه أظهر وأولى، وعدى المصتف رحمه الله الكشف بعلى، لأنه مضمن أو متجوّز به عن معنى جلا وأظهر، وان لم يخل من ركاكة العجمة والنيل الوصول. قوله:(والذين جاهدوا إلخ) قال المصتف رحمه الله في تفسيره: والذين جاهدوا في حقنا، واطلاق المجاهدة ليعمّ جهاد الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعه {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[صورة العنكبوت: ٦٩] سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا أو لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير وتوفيقاً لسلوكها إهـ. ولعل هداية سبيل السير إليه تعالى أن يكشف عن قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي، وقال الطيبيّ: طيب الله ثراه الاستشهاد فيه أنه تعالى أثبت لهم الجهاد على لفظ الماضي، وأوقع ضمير التعظيم ظرفاً له على المبالغة أي في سبيلنا ووجهنا مخلصين لنا ولا يكون مثل هذا الجهاد إلاً هداية لا غاية بعدها، ثم قال: لنهدينهم سبلنا على الاستقبال، وصرّح بلفظ سبلنا ولا يستقيم تأويله إلآ بما ذكر من طلب الزيادة بمنح الألطاف اهـ. والسرائر جمع سريرة، وهي ما يسره المرء في قلبه وأواد بها المصتف رحمه الله السرّ الإلهيّ، وليس ببعيد وان كان خلاف المعروف من استعماله. قوله:(أمّا زيادة ما منحوه إلخ) منح بمعنى أعطى يتعدى لمفعولين وهو مبنيّ للمجهول هنا والزيادة نزول الآيات وظهور الأحاديث في زمانه عليه الصلاة والسلام وظهور طرق الاحتياط والأخذ عن أهل العلم بعده، وقال قدس سرّه: إنه يعني أنّ من خص الحمد به تعالى وأجرى عليه تلك الصفات فهو مهتد فكيف طلب الهداية. فالمطلوب لزيادة أو الثبات أو ثمرة ذلك من سعادة الدارين، ثم إن حمل لفظ الهداية على التثبيت، كان مجازاً وان
حمل على الزيادة فإن كان مفهوم الزيادة داخلاَ في المعنى المستعمل فيه كان مجازا أيضاً وان جعل خارجاً عنه مدلولاً عليه بالقرائن كان حقيقة لأنّ الهداية الزائدة هداية كما أنّ العبادة الزائدة عبادة فلا يلزم الجمع بين الحقيقة، والمجاز وإن جاز كما سيأتي بيانه وتبعه أرباب الحواشي هنا برمّتهم كما قيل إنه جواب عما يقال من أنّ ما قبله منزل على ألسنة العباد الذين حمدوه وخصوا الحمد به تعالى، ووصفوه بغاية الكمال وخصوه بالعبادة، والاستعانة ومثل هؤلاء لا يصح منهم طلب الهداية إلى الصراط المستقيم بمعنييه لحصوله لهم، ففيه تحصيل الحاصل فأجاب عنه بقوله فالمطلوب إلخ. فهو جواب شرط مقدّر أي إذا انقسمت الهداية لما ذكر، وكثره حاصل لهم فالمطلوب الزيادة والثبات أي مجموعهما، وفي نسخة أو الثبات بأو بدل الواو، وهي الموافقة لما في الكشاف والحاصل أنّ الهداية مطلقة، فتصرف للكمال، وهو بما ذكر من الزيادة أو الثبات أو حصول مراتب أخرى من جنسها، وقد قيل عليه أنه إن أريد بالإيصال المفهوم من الدلالة الإيصال القريب، وبالصراط المستقيم ما يشمل العقائد الحقة والأعمال الصالحة، فلا مرية في أنّ من خص الحمد به تعالى وأجرى عليه تلك الصفات لا يلزم أن يكون مهتدياً بهذا المعنى لأنّ الموصل القريب لها الأدلة وإن أريد البعيد صح ولكن لا يتعين الحمل عليه، وأيضاً جزمه بالتجؤز إذا أريد الثبات وتفصيله في الزيادة فيه بأنه إن جعل الثبات داخلاً في المعنى المستعمل فيه كان مجازا وإلاً فهو حقيقة من غير فرق بينهما تحكم ورد بأنّ الموصل القريب لا ينحصر فيما ذكر، إذ يكون بما عرف سماعا من الشرع، وبالعقل السليم والثبات ليس كالزيادة لخروجه عن مفهومه بغير شك (أقول والهداية منه وإليه أليس كلام المصنف رحمه الله مطابقاً لما في الكشاف حتى يشرح بما شرح به ويورد عليه ما أورد عليه، فإنه في الكشاف لم يتعرّض لشيء مما ذكره المصتف أصلاً، فالحق أن يقال في بيان ما هنا إنه لما فسر الهداية المطلقة بالدلالة بلطف ونوّع منها هداية الله تعالى، وفسر الصراط بما ذكر، صار المعنى يا ربنا دلنا على طريق الحق بسلامة