للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرتب، فالأوّل بالنسبة لأصحاب موسى عليه الصلاة والسلام، والثاني بالنسبة لأصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام، والظاهر أن كلاً منهما بالنسبة إلى كل منهما وقيل: هم مؤمنو الأمم السابقة وقيل: هم المؤمنون مطلقاً، وهو الأولى والأنسب، وليس بزائد على ما مرّ كما توهم.

واعلم أنّ التوراة والإنجيل اللذين عند اليهود والنصارى الآن اختلف فيهما هل هما مبدلان ومحرّفان لفظا أو تأويلاً، فأمّا التوراة فأفرط فيها قوم وقالوا كلها أو جلها مبدل حتى جوّزوا الاستنجاء بها، فليست المنزلة على موسى عليه الصلاة والسلام، وذهبت طائفة من الفقهاء والمحدّثين إلى أنّ ذلك إنما وقع في التأويل فقط كما صرّح به البخاري، واختاره الفخر الرازي وغيره لقوله تعالى: {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [أل عمران: ٩٣] وهو أمر للنبيّ عليه الصلاة والسلام بالاحتجاج بها والمبدّل لا يحتج به، ولما اختلفوا في الرجم لم يمكنهم تغيير آيته منها، وتوسطت طائفة وهو الحق فقالوا: بدل بعض منها وحرف لفظه، وأوّل بعض منها بغير المراد منه، وإنه لم يعط منها موسى عليه الصلاة والسلام لبني إسرائيل غير سورة واحدة، وجعل ما عداها عند أولاد هارون، فلم تزل عندهم حتى قتلوا عن آخرهم في وقعة بختنصر، وبعد ذلك جمع عزير بعضاً منها ممن حفظها، فهو الذي عندهم اليوم وليس أصلها وفيه زيادة ونقص، واختلاف ترجمة وتأويل، وأمّا الإنجيل ففيه تبديل وتحريف في بعض ألفاظه ومعانيه، وهو مختلف النسخ، والأناجيل أربعة كما فصله بعضهم في كتاب عقده لذلك سماه المفيد في التوحيد. قوله: (صراط من أنعمت) فيه دليل على جواز إطلاق الأسماء المبهمة كمن على الله كما ورد في الأحاديث المشهورة يا من بيده الخير ونحوه، فلا يغرنك ما نقله الحفيد عن صاحب المتوسط من منعه. قوله: (والإنعام للصال النعمة إلخ) قال الراغب: النعمة الحالة الحسنة، لأنّ بناء الفعلة بالكسر للهيئة كالجلسة والركبة والنعمة بالفتح للمرّة كالضربة، وهو بمعنى التنعم، ولذا قيل كم ذي نعمة لا نعمة له أي لا يتنعم بما رزقه الله، والإنعام إيصال الإحسان إلى الغير من العقلاء كما قاله الراغب فلا يقال: أنعم على فرسه، ولذا قيل إنّ النعمة نفع الإنسان من هو دونه لغير عوض، والنعماء إزالة الضراء، والنعمى ضد البؤسى ونعمه بالتشديد جعله في نعيم، ولين عيش وناعم وناعمة من

نعومة المسلمين، وأصل معناه لغة من النعمة بالفتح، وأصله في المستلذات الحسية، ثم أطلقت على المعنوية، كنعمة الإسلام لأنّ اللذة عند المحققين أمر تحمد عاقبته، ولذا خصها بعضهم بالمعارف، وقيل: لا نعمة لله على كافر، ولما فيها من الإيصال والإنهاء كان حقها أن تعدّى بإلى لكنها عديت بعلى إشارة لعلو المنعم، ولذا قيل اليد العليا خير من اليد السفلى فقوله: من النعمة بالفتح، وهي اللين ظاهر، وفي نسخة من نعمة الإسلام؟ وهي الدين وهي صحيحة أيضا، وليست تحريفا لأنّ إضافته بيانية قال تعالى: {وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ} [سورة البقرة: ٢١١] وكذا ما في بعضها من النعهمة، وهي الدين مع ما فيه من الركاكة، ولا ينافي تخصيصها بنعمة الإسلام الإطلاق المستفاد من ظاهره لشمول الإسلام لكل نعمة، وششلذ. بمعنى يجده لذيذاً وقد يعدى بالباء، وعدى الإطلاق باللام، وهو معدّى بعلى لكونه بمعنى الاسنعمال أي استعملت فيما يلائم من الأمور الموجبة لتلك الحالة، فهو من إطلاق المسبب على السبب. وقوله: (لا تحصى) أي لا تعد أنواعها فضلاً عن أفرادها قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل: ٨ ا] أي نعمه تعالى، لأنّ الإضافة تفيد ما تفيده اللام قيل: وقيه نكتة حيث قال: نعمة دون نعم مع أنّ عدّ الواحد هين بل ليس هو بعدد لاشتمال كل فرد منها على نعم لا تحص كنعمة الصحة مثلاً، لو أريد تفصيلها جزءاً جزءا ظاهرا وباطنا أعجزت العادّ، وفسرها بعض الفضلاء بقوله: إن تشرعوا في عد أفراد نعمة من نعمه لا تطيقوه فتدبر. قوله: (روحانئ كنفخ الروح إلخ) تحقيق التسوية ونفخ الروح على ما نقله في كتاب الروح عن حجة الإسلام أنّ التسوية تهيئة المحل القابل للروح، كطينة آدم عليه الصلاة والسلام ونطفة بنيه، لأن يقبلها كالفتيلة التي تتقد بشرب الدهن لتعلق النار بها، وأصل النفخ إخراح هواء من جوف النافخ إلى جوف المنفوخ، وهو غير متصوّر في حقه تعالى، إلاً أنّ النفخ لما كان سبباً لاشتعال النار في بعض الأجساد، ويعذ ذلك نتيجة له عبر عن نتيجة النفخ بالنفخ وان لم يكن على صورة النفخ، والسبب الذي اشتعل به نور الروح في فتيلة النطفة

<<  <  ج: ص:  >  >>