صفة في الفاعل وصفة في المحل القابل، فالأوّل الجود الإلهيّ الذي هو ينبوع الوجود على ما يقبله وصفة القابل هو الاعتدال الحاصل بالتسوية، كما قال تعالى:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}[الحجر: ٢٩] وهو في الأصل استعارة تمثيلية أو تصريحية أو مجاز مرسل، ثم صار حقيقة شرعية في فيض الأرواح على ذويها، وسيأني إن شاء الله تعالى تفصيله في سورة الحجر وما قاله المصئف فيه، ثم إنّ المصتف رحمه الله قسم ومثل بالأنعام تسمحاً، أو المراد الحاصل بالمصدر وتقسيمه على سبيل منع الخلو، فلا يرد عليه أنّ معرفة الله تعالى دنيوية وأخروية، ولا حاجة إلى ادّعاء تغايرهما ونحوه، وبدؤه بما ذكر إشارة إلى أنّ الحياة أصل النعم وأنها نعمة في
ذاتها ويتوقف جمليها الانتفاع بغيرها والشيء لا يكمل إلآ إذا أمكن الانتفاع به، وما قيل نقلاً عن التأويلات النهجة أنّ النعم.
إمّا ظاهرة كإرسال الرسل وانزال الكتب والتوفيق لقبوله وإتيانه به والثبات على قدم الصدق ولزوم العبودية.
وإمّا باطنة وهي ما أصاب الأرواح في عالم الذرّ من رشاس نور النور:
وأوّل الغيث قطر ثم ينسكب
فكان على المصنف أن يدخله في تقسيمه ليس بشيء لدخول ما ذكر في الروحاني، إذ
نعمة العقل والفهم إنما تعد نعمة إذا اهتدى بها للتصديق بما ذكر، وقيل: إنه لم يتعرّض لها لأنه لم يلتزم تعداد جزئيات النعم، وانما حصر أجناسها وهذه داخلة في النعم الدنيوية الموهبية، وقد جعل أيضا قسمي الموهبية من الدنيوية نظرا إلى أنها موهبة في الدنيا حالاً، وان كانت من الأخروية مالاً، والروحاني بضم الراء ما فيه الروح، وكذلك النسبة إلى الملك والجن، وهي نسبة على خلاف القياس، وأراد به هنا ما يقابل الجسماني مما يتعفق بالروح، وجسماني بالضم نسبة إلى الجسمان وهو الجسم، والجثمان بالثاء المثلثة بمعناه أيضا، ولك أن تقول إنه الروح لمشاكلته الجسماني. قوله:(وإشراقه بالعقل) ضمير إشراقه للمنفوخ فيه المعلوم من النفخ، وفيل: هو للإنسان أو للبدن كضمير فيه لفهمه من السياق وأرجعه بعضهم للروح لتأويله بمذكر، فإنها مؤنث سماعيّ، والعقل قوّة للنفس تدرك بها الكليات والجزئيات المجردة، ويتبعها ذلك الإدراك ويسمى نطقا وهو المراد بالناطق في تعريف الإنسان، ويكون بمعنى ما يعبر به عما في الضمير، وهذا معناه الحقيقي في اللغة والعرف العامّ، والفكر ترتيب أمور معلومة لتؤدّي إلى مجهول، والكلام عليه مفصل في محله وعلم ما أدى إليه الفكر هو الفهم وهذه أمور كسبية، والقوى جمع قوّة والمراد بها النفسانية التي هي مبدأ النطق وأخويه قيل: وهي عين العقل ومتحدة بقوّة الفهم ويتبعها أيضا سرعة الانتقال إلى المطالب، ويمكن أن يطلق عليه الفهم والذكر، وهو العلم بالشيء بعد ذهابه عن النفس ويطلق عليه الفكر والتعبير عما في النفس نطق، والآخر كسبيّ، والأولان قد يكونان فيما للاختيار دخل فيه، ومباديها قوى موهبية تابعة للعقل، فينبغي أن يحمل عليها إذا عرفت هذا، فالتمثيل بالنطق لا يخفى ما فيه لأنه بمعنى إدراك الكليات كسبيّ، كما برهن عليه في المنطق والقوّة التي هي مبدؤه عين العقل، وهو بمعنى التكقم أو مبدئه جسمانيّ، وجعل للعقل إشراقا على طريق التمثيل لأنه نور إلهيّ، وقد عرّف بذلك وقيل القوى تعم الحواس الظاهرة والباطنة لكن قوله كالفهم إلخ يقتضي تعميمه بحيث يشملهما، وادراكهما وادراك العقل وما يترتب عليه، والفهم المطلق بمعنى الإدراك، والفكر ترتيب المعلومات والنطق إدراك الكليات أو ما يعبر به عنها والقوى البدنية
كالنامية وأخواتها، ويحتمل أن يراد بها ما يعم الحواس، ويراد بالأولى الإدراكات، فإنها يقوى بها العقل فتدبر. قوله:(كتخليق البدن إلخ) البدن والجسد بمعنى، وقد يفرق بينهما وتخليقه إعطاؤه خلقه، وتكميل بنيته والقوى الحالة فيه معطوف على تخليق، والمراد بها القوى الطبيعية التي قسمها الحكماء والأطباء إلى خادمة ومخدومة متصرّفة لأجل التشخص أو لأجل النوع كالنامية والغاذية والجاذبة والدافعة، والهيئات العارضة جمع هيئة، وهي عندهم مرادفة للعرض فقوله العارضة أي للبدن صفة مفسرة. وقوله:(من الصحة إلخ) بيان لها، فإنّ الصحة عندهم هيئة بدنية تكون الأفعال بها سليمة لذاتها ويقابلها المرض، وكمال الأعضاء ظاهر. قوله:(والكسبي إلخ) الظاهر أنّ الكسبي أعمّ من أن يكون ووحانياً كتزكية النفس، أو جسمانياً كتزيين البدن، أو خارجا عنهما وسيلة