المقام كل إنعام بنعمة ولما كان هذا الشمول ادّعائياً قال: لأنّ من أنعم إلخ ومن لم يفهم ما قالوه هنا قال بعدما أورد من كلامهم أقول ينافي هذا التأويل إسناد العموم إلى الإطلاق إذ لو قيد وقيل: أنعمت عليهم بنعمة الإسلام، أو الذين أنعمتة عليهم يستفاد منه العموم، ولا دخل للإطلاق في إفادة العموم فحينئذ يكون الحذف للاختصار، ويمكن أن يجاب عنه بأنه ليس المراد أنّ مفعول أنعمت المحذوف هو نعمة الإسلام حتى يرد عليه ما ذكر بل هو عام، وجعل المطلوب باهدنا
الذي هو سلوك طريق الإسلام عامّا إنما استفيد من تقييد الطلب بصراط من أنعمت، وتعليقه به على ادّعاء إن الإسلام كل نعمة، وقد خبط خبط عشواء، ولم يهتد للصراط المستقيم وهو أظهر من أن يخفى. قوله:(يشترك إلخ (في بدائع ابن القيم اختلف السلف هل لله على كافر نعمة فقيل: لا نعمة له عليه لظاهر قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ}[مريم: ٥٨] الآية وقيل: قد يكون منعماً عليه، والصواب إنّ مطلق النعم يعم البرّ والفاجر والنعم التامّة مختصة بالمؤمنين لاتصالها بسعادة الأبد وهو الحق اهـ وهو ملخص كلام الإمام هنا. قوله: (بدل من الذين أو صفة إلخ) قدم البدلية إشارة لترجيحها لما فيها من وجوه المبالغة والنكت السالفة، وهو بدل كل من كل ولم يجعله بدلاً من ضمير عليهم لا لأنه يلزم خلو الصلة عن الضمير لأنّ المبدل منه ليس في نية الطرح حقيقة، كما يتوهم بل لأنه لا يخلو من الركاكة بحسب المعنى، وهذا مختار أبي عليّ، وقول أبي حيان: إنه ضعيف لأنّ غير في أصل وضعه صفة بمعنى مغاير والبدل بالوصف ضعيف ولذا أعربه سيبوبه صفة غير متجه لأنّ غير أغلبت عليه الإسمية، ولذا كان في الأكثر غير مجرى وقدم الصفة المبينة، وهي الكاشفة المنزلة منزلة التعريف كما صرّحوا به، لأنّ المنعم عليهم بالإسلام المهتدين لطريق الاستقامة لا يكونون من أهل الغضب، واذا أريد بهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالأمر ظاهر، ولذا لم يبينه صريحاً لأنّ قوله على إلخ يحتمل رجوعه إلى الوجوه الثلاثة أماة الآوّل فلكونه عينه ولأنّ الصفة والموصوف كشيء واحد لما مز، ومنهم من أرجعه إلى الأوّل فقط وجعل قوله هم الذين سلموا نظير ما مرّ من قوله فهو المشخص المعين، وهذا بناء على ما وقع في بعض النسخ، وهو بدل من الذين على معنى أنّ المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال، أو صفة له مبينة أو مقيدة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة، وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من الغضب والضلال اهـ وهذه عبارة الكشاف بعينها وفي بعض الحواشي هنا تصخيح هذا الوجه أيضا فيتجه حينئذ وقال قدس سرّه: إذا جعل غير المغضوب بدلاً من الذين أريد بالثاني الذات مع قصد تكرير العامل وتفسير المبهم، فيؤخذ منه تلك المبالغات، فقوله: هم الذين سلموا نظير لقوله: فهو المشخص المعين، وبذلك يظهر أن الإبدال أوقع، وإن جعل صفة كان المعنى أنهم جمعوا بين النعم المطلقة التي أثبتت لهم بطريق الصلة وبين السلامة التي أثبتت لهم بطريق الصفة، وفي قوله: ههنا نعمة الإيمان إشاوة إلى أنّ الإيمان متحد بالإسلام ومشتمل على الأعمال كما هو مذهبه، وحينئذ يكون الوصف بالسلامة من الغضب والضلال بعد إثبات ألإيمان تأكيداً لا تقييداً وتخصيصا، وهو المراد بالصفة المقيدة إلآ إذا حمل الإيمان على التصمديق وحده أو مع الإقرار كما ذهب إليه غيره اهـ. ومما مرّ علم معنى المبينة والمقيدة وأنّ الإيمان إن شمل الأعمال فالصفة مبينة والآ فهي مقيدة، وقد أورد على ما في الحواشي الشريفية أنّ قوله، فهو المشخص المعين حكم على البدل بالتشخص
والتعين بما يشتمل عليه المبدل منه من الصفة الذي هو كالعلم فيها، وقوله: هم الذين سلموا حكم على المبدل منه بالبدل وانحصار الأوّل في الثاني، أو عكسه بل هو حكم بالاتحاد، وهو المناسب لكون الثاني تفسيرا للأوّل فكيف يكون نظيراً له، ويمكن أن يقال إذا أريد به قصر المسند إليه على المسند أفاد ما يفيده. قوله: فهو المشخص المعين إلخ من الحصر. وهذه العبارة في كلام المصتف رحمه الله نظير قوله الطريق المستقيم ما يكون طريق المؤمنين لا نظير قوله: طريق المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة، ثم جعله بدلاً على تقدير كون الموصول عبارة عن كمل المؤمنين المشتمل إيمانهم على الأعمال والمراد بالمغضوب عليهم والضالين مطلقهما كما يشعر به