بالاستثناء يجري على الأقوال والظاهر أنه على الأول منها، والمراد بالقبيلين في كلامه المؤمن والكافر لأنّ مطلق النعم على ما مرّ يشملهما، وقيل: المغضوب عليهم والضالين، والأوّل هو الصحيح وإنما قيده بذلك ليكون الاستثناء متصلاً على الأصل وليس بلازم، وقد ذهب جماعة هنا إلى أنه منقطع فلا حاجة له غير بيان الراجح عنده، وقد اعترض الفراء على الاستثناء بأنّ لا لا تزاد إلاً إذا تقدمها نفي كقوله:
ما كان ب رضى رسول الله فعلتها والطيبان أبو بكر ولا عمر
ومنع مستندا إلى أنها وردت زائدة من غير تقدّم نفي كقوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ}[الأعراف، الآية: ١٢] وقوله:
وتلحفني في اللهو أن لا أحبه وللهو داع دائب غير غافل
وغيره مما لا يحصى من الشواهد، وكأنه أراد أنها لا تزاد بعد الواو العاطفة، وحينئذ لا
يتم السند فتأمّل. قوله:(والنضب إلخ) الثوران بفتحات كهيجان لفظاً، ومعنى من ثار يثور إذا تحرّك بسرعة، والنفس تطلق على معان منها الذات والروح، والدم والقوى الحيوانية المقابلة للقوى العقلية، كما قاله الغزالي رحمه الله في كتاب معارج القدس. والمراد هنا إمّا النفس الناطقة لأن الغضب من كيفياتها أو الدم كما قال الراغب الغضب ثوران دم القلب لأنه يكون من تحرّك الحرارة الغريزية لحركة النفس ولذا ورد في الحديث:" اتقوا النضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم " ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه، والدم مركب الروح الحيواني، فلذا احمرّ الوجه وانتفخت العروق حينئذ، ويجوز أن يراد بها القوى الحيوانية، والانتقام افتعال من النقمة وهي العقوية قال تعالى:{فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ}[الأعراف: ١٣٦] أي عاقبناهم أشد عقوبة، وقوله إرادة منصوب على أنه مفعول له، والغضب فسر تارة بحركة للنفس مبدؤها إرادة الانتقام كما في شرح المفتاح للسعد وتارة بإرادة الانتقام كما في شرح الكشاف له، وتارة بكيفية تعرض للنفس، فيتبعها حركة الروح إلى خارج طلباً للانتقام كما في شرح المقاصد، ويقرب منه ما قيل إنه تغير يحدث عند غليان دم القلب وقال قدّس سرّه: إنه سبب قريب لإرادة الانتقام، وسبب بعيد لنفس الانتقام، وأمّا شهوة القلب للانتقام وميله إليه فمتقدّمة على الغضب، ولذا وفق بعض المحققين بين جعل إرإدة الانتقام متقدمة تارة ومتأخرة أخرى بأن قال: إرادة الانتقام سبب الغضب إرادة بالإرادة الشهوة، وغايته إرادة الضرر، فقول المصتف رحمه الله أرادة الانتقام إمّا علة متقدّمة أو غاية متأخرة، وعلى الأوّل فمراده بالمنتهى الانتقام، وعلى الثاني إرادته أو نفسه إطلاقا لاسم السبب على مسببه القريب أو البعيد. قوله:(على ما مرّ) أي في أسمائه تعالى قال العلامة القرافي في كتاب القواعد: كل ما يستحيل حقيقة عليه تعالى، فهو محمول على المجاز كالرحمة والغضب، واختلف السلف فيه فقال الأشعريّ: المراد به إرادة الإحسان، وارادة العقاب. وقال أبو بكر الباقلاتي: المراد أنه يعاملهم معاملة الراحم والغضبان، فيراد بالأوّل الإحسان نفسه، وبالثاني العقاب نفسه وقس عليه، وفي القرآن مواضع منها ما يشهد للأوّل كقوله تعالى:{وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا}[غافر:
) ١ (أخرجه الترمذي ٩٢ ١ ٢ وأحمد ٣ لم ٣١٩ وأبو يعلى ١ ٠ ١ ١ من حديث أبي سعيد الخدري مطولاً، قال الترمذي: حسن صحيح اهـ. وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.
وأخرجه الديلمي ٤٣١٣ من حديث أنس.
٧] فإن الاقتران بالعلم والوصف بالسعة لعموم تعلق الإرادة، ومنها ما يشهد للثاتي كقوله:{هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي}[٠٠٠:. . .] فإنّ الإشارة للسدّ وهو إحسان منه، ومنها ما يحتملهما كما في الفاتحة اهـ.
وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أخذه بحروفه من التفسير الكبير، وقولهم إنما يؤخذ باعتبار الغايات دون المبادي الحصر فيه إضافيّ، والمراد بالمبادي مبادبه المخصوصة المستحيلة على الله كرقة القلب وثورإن النفس، فلا يرد عليه أنه قد يؤخذ باعتبار الأسباب كما اختاره التفتازاني، وقد يجعل اسنعارة من غير نظر للمباديء والغايات كما سيأني وما في الكشاف من أن معنى غضب الله إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده حمله الشارح المحقق على أنّ الغضب مجاز عن سببه، وهو إرادة الانتقام وضبط إنزال العقوبة بكسر اللام عطفاً على الانتقام، وكذا وأن يفعل، وقال قدّس سرّه: الغضب والرحمة من الأعراض النفسانية المستحيل إطلاقها عليه تعالى، فيصرف الكلام عن ظاهره، وذلك من وجوه الأوّل أن تجعل الرحمة إرادة الإنعام والغضب إرادة الانتقام إطلاقا لاسم السبب. على المسبب القريب